في عام 2011، نشر كلّ من وولبر سميت وحجاج راشدي Wollber G.C. SMIDT and M. Haggag RASHIDY نقشاً يذكر اسم الملك النجاشي «أصحمه»، الشهير جداً في التقليد الإسلامي، في ورقة لهما بعنوان: «نقش عربي آخر في طريق التجارة الشرقي الثالث في تيغراي: ملك الحبشة في نجاش» (1). النقش موجود في قرية نجاش في إقليم تيغراي الإثيوبي، التي تبعد 30 كلم عن مدينة وُرقو Wuqro. وهو في مكان ما من الضريح الذي يعتقد أنّه مكرّس للملك أصحمه ولاثني عشرة من صحابة الرسول المسلمين الذين هاجروا هرباً من اضطهاد وثنيّي مكة في بدايات الإسلام، ولجأوا إلى أرض هذا الملك الذي لا يُظلم عنده أحد حسب قول التقليد الإسلامي. وبسبب ذلك، كان هذا الضريح مكاناً لاحتفال سنوي مهم ظل حياً حتى القرن التاسع عشر. والغريب أنّ نشر النقش لم يثر الاهتمام الكافي. وربما يعود ذلك إلى أنّ قراءة الناشرين للنقش تعاني من مشاكل تجعلها غامضة إلى حد بعيد.
نقش الملك النجاشي أصحمه

ويجب القول إنّ المعلومات التي قدّمها لنا الناشران عن النقش ضئيلة، وأنها جاءت نقلاً عن ألسنة بعض السكان المحليّين في المنطقة. تقول هذه المعلومات: «إن حجر النقش محفوظ في الضريح الذي يخص الصحابة الـ 12 للنبي محمد وأنه موجود في ساحة إمام مسجد (مسجد الإمام) (سميت وراشدي، صفحة 124). وقد لاحظ الناشران أن النقش مكتوب بشكل سيّء إذا قورن بـ «نقش ورقو» الذي يُعتقد أنه من القرن العاشر الميلادي.
نقش ورقو

ومقارنة بنقوش من خارج إثيوبيا، فإن النقش يعود إلى فترة بين القرنين 12-13 ميلادية، حسب الناشرين. ومن وجهة نظري، فإن هناك بعض الإشارات في النقش قد تدفع بتاريخه إلى الوراء فترة لا بأس بها. على أي حال، فأدناه في الصورة قراءة الناشرين للنقش.

كما نلحظ، فإن هذه القراءة توحي بوجود مشاكل جدية فيها. فكيف يمكن أن تأتي كلمة «سيد» بعد كلمة «ملك» مثلاً؟ كذلك، فإن الجملة «توفي من هجرية سنة 9» تبدو غير سليمة. وعلى أي حال، فقد قدم الناشران قراءتهما على أنها قراءة أولية. وهو ما يعني أنهما كانا يدركان إمكانية تعديلها.
ولنبدأ بقراءة النقش سطراً سطراً.

السطر الأول
قرأ الناشران الكلمات الثلاث الأولى بشكل سليم «هنا قبر ملك...». لكنهما فهما كلمة «هنا» على أنها تعني «هذا» this بينما هي تشير في الحقيقة إلى المكان وليس إلى القبر. بذا فالاحتمال الأفضل أن نقرأ كلمة «قبر» بصيغة المبني للمجهول «قُبِر». وسياق النص يدعم هذا كما سنرى.
أما الكلمة الأخيرة في السطر، فقد قرأها الناشران هكذا «الحبشة». وهذه قراءة خاطئة بكل تأكيد. فما لدينا هو الأحرف التالية: «الن...». ويبدو أن هناك حرفين هما جيم وألف قد ضاعا مع الكسر في طرف السطر. أي أن الحروف في الأصل كانت هكذا: «النجا». وهذا جزء من كلمة ستكتمل في السطر الثاني.

السطر الثاني
قرأ الناشران الحروف الأولى في هذا السطر على أنها «سيد». ولكنّ الحقيقة أنّ ما لدينا هو الحروف: «شيين». وهي حروف تكمل الكلمة التي بدأت في السطر السابق. بذا، فمجموعة الحروف في السطرين تقرأ هكذا: «النجاشيين». عليه، فالملك يوصف بأنه «ملك النجاشيين». إنه ملك لمجتمع يدعى «النجاشيين». وهذا اللقب لم يرد في المصادر الإسلامية، التي كانت تدعو الملك وحده بالنجاشي.
ومن الواضح أنّ الاسم على علاقة باسم القرية «نجاش». لكننا لا ندري إن كانت القرية قد أخذت اسمها من جماعة تدعى «النجاشيين» أو أنّ المجموعة هي التي أخذت اسمها من اسم القرية. ومن الواضح أن الاسم بهذه الصيغة يفتح ملف أصحمة النجاشي من جديد.
الكلمة التي تلي هي اسم الملك «أصحما»، الذي ورد في الرواية الإسلامية بصيغة «أصحمه».
أما الكلمة التي تلي الاسم، فقد قرئت هكذا «توفي». لكن الحقيقة أن الموجود في نهاية السطر هو حرفان يُقرآن هكذا: «بز». وهما جزء من كلمة تكتمل في السطر التالي.

السطر الثالث
قرأ الناشران الكلمتين الأولى والثانية هكذا: «من هجرية»، وهذه قراءة غير سليمة. فـ«من» جزء من كلمة «بزمن» المقسومة بين السطرين الثاني والثالث.
بعد ذلك، يأتي الرقم (9)، وهو يقرأ بعد كلمة «بزمن»، رغم أنه وضع فوق الكلمة التالية «هجرية» التي قرأها الناشران بشكل صحيح.
بناء عليه، فالنص يقول حتى الآن:
«هنا قُبِر ملك النجا
شيين أصحما بز
من 9 هجرية»
بالتالي، فالنقش يؤرّخ دفن الملك النجاشي بالسنة التاسعة للهجرة. وهو بذلك يحدّد لنا تاريخ وفاته. ومعروف أنّ النجاشي توفي في حياة الرسول، وأنّ الرسول صلى عليه صلاة الغائب.

السطر الربع
هذا السطر هو الأهم ربما، لأنه يعطينا في ما يبدو لمحة ما عن معتقدات النجاشيين. وقد قرأ الناشران السطر هكذا: «في شهر». أما قراءة الكلمة الأولى «في» فسليمة. لكن قراءة الكلمة الثانية خاطئة. فهناك تاء مربوطة واضحة في آخر الكلمة. بالتالي لا يمكنها أن تُقرأ «شهر». بل إنه من الصعب حتى أن تكون بالشين. لذا نقترح أنّها: «سهرة». وهناك بعدها كلمة ثالثة لم يبصرها الناشران. وهي في الحقيقة واضحة، وتقرأ هكذا: «الحق».
بناء عليه، فلدينا الجملة التالية: «في سهرة الحق». والكلمة الوسطى في الجملة غامضة كما نرى.

السطر الخامس
وفيه كلمة واحدة قرأها الناشران هكذا: «الشهداء» وهي قراءة خاطئة. فالكلمة تُقرأ هكذا: «نجاش». أي أنها تذكر اسم القرية التي يوجد النقش فيها. بناء عليه، يمكن الافتراض أنّ «نجاش» كانت في السابق مدينة مهمة، وأنها كانت في ما يبدو مركزاً لمملكة ولمجتمع أخذ اسمه من اسمها في ما يبدو: النجاشيين.
إذن، فالسطران الأخيران يقولان: «في سهرة الحق نجاش». ونحن لا نعرف بالضبط معنى كلمة «سهرة» هنا. لكن يبدو أن الجملة تحمل وصفاً دينياً للمدينة. ومن المحتمل أنّ كلمة «سهرة» على علاقة بكلمة «الساهرة» في سورة النازعات في القرآن: «فإذا هم بالساهرة» (النازعات 14). وهي كلمة غامضة هنا أيضاً، ومختلف على معناها. وإذا صحّ أننا مع نفس الكلمة، فإن الكلمة في النقش تكون مكتوبة من دون الألف. أي أن علينا أن نقرأها هكذا: «الساهرة»، وهي كلمة ذات طابع ديني كما هو واضح. وتبعاً لبيت من شعر أمية بن أبي الصلت، يبدو أن الكلمة تطلق على مقر ملك ذي طابع ديني:
مَلِـكٌ بساهـرةٍ إذا
تُلْقَى نَمارقُه وَكوبُه
أما في القواميس، فيقال إن الساهرة: «أرض لم توطأ، أو هي أرض يجدا الله يوم القيامة. وقال ابن السيد في الفرق: وقيل: هي أرض لم يعص الله عليها. وقيل: الساهرة: جبل بالقدس. قاله وهب بن منبه. وفي عبارة ابن السيد: أرض بيت المقدس. وقيل: الساهرة: جهنم» (الزبيدي، تاج العروس). أما ربط الساهرة بالقدس، فما زال هناك باب في القدس يدعى: «باب الساهرة». وإذا استثنينا حكاية جهنم، فكل شيء يوحي بأن الساهرة أرض دينيّة. وهو ما يوحي به نص النقش. بذا فنجاش توصف أنها «ساهرة الحق». وهو لقب ديني، وإن كنا لا نعرف معناه بدقة.
بناء عليه، فالنقش كله يقول:
«هنا قُبِر ملك النجا
شيين أصحما بز
من 9 هجرية
في سهرة الحق
نجاش

وبناء على هذه القراءة فإن النقش يريد أن يخبرنا أنّ أصحماً، ملك النجاشيين، قد قُبِرَ في مدينة نجاش، التي توصف بأنها «ساهرة الحق»، أي مدينة الحق ربما، في السنة التاسعة للهجرة. بذا يجب قراءة الكلمة الثانية في السطر الأول على أنها «قُبِرَ»، بصيغة المبني للمجهول.

نستخلص من هذا أن النقش غير إسلامي الطابع في غالب الأمر، حتى وإن كان كتب لجمهور عربي أو مسلم يعرف شيئاً من العربية، يقدّس هذا المكان ويحجّ إليه. يدل على هذا جملة «ساهرة الحق» لوصف نجاش. فهذه جملة لا تتوافق مع المعتقد الإسلامي. إنها جملة كتبها شخص يؤمن بالنجاشي وبمذهبه وبمدينته المقدسة. كما نستخلص أيضاً أن النجاشي لم يكن ملكاً لإثيوبيا، بل كان ملكاً لمملكة في تيغراي الحالية. وأغلب الظن أنها لم تكن مملكة كبيرة. ويبدو أنها كانت مملكة مسيحية لها طابعها الخاص، وتمثل تياراً خاصاً، ربما كانت له وشائج مع الإسلام في بواكيره.
وعلى كل حال، فإن هذه استخلاصات أولية. وربما أدى إلى دراسة النقش بشكل أعماق إلى الحصول على استخلاصات أخرى.

* شاعر فلسطيني

1) Another Arabic inscription from the eastern Tigrayan trade route (III): the malik al-Habasha in Negash
https://www.academia.edu/25878364/Another_Arabic_inscription_from_the_eastern_Tigrayan_trade_route_III_the_malik_al-Habasha_in_Negash