كلما طُرحت عالمياً مسائل إنكار حقوق الضعفاء والعمالة والقمع السياسي والثقافي والديني والمادي والنظم السياسية المتخلّفة التي تعود إلى العصور الحجرية ونهب الأموال العامة وإهدار ممتلكات الشعوب والاستبداد، وغير ذلك من النعوت، فمن الطبيعي أن يجد المرء في منظومة التخلف تلك أنّ ثمة مقعداً دائماً محفوظاً للدول العربية، أو لنقل: لأنظمة عربية. ومن الطبيعي أيضاً أن تكون مشيخات الخليج الفارسي تتصدر تلك القائمة غير المشرّفة بكل المعايير والمقاييس. تقول راشيل سالازار باريناس، مؤلّفة كتاب «مستعبدون: العمالة المنزلية المهاجرة في الدول العربية» (منشورات جامعة ستانفورد ـــ 2022): ناقش المنظرون الاجتماعيون والفلاسفة معنى الحرية لقرون. في حين أن الحالات التاريخية لـ «عدم الحرية/ العبودية» مثل العبودية أو الإبادة الجماعية، تبدو بديهية، لكن عندما نحاول إيجاد إجماع حول الشكل الذي تبدو عليه في الواقع، لا يوجد اتفاق يُذكر. عادة ما تتبع الخطابات المهيمنة حول عدم حريات العمّال المحليين تصورات كارل ماركس الذي يرى أن عدم الحرية/ العبودية هي اغتراب العمّال عن عملهم ضمن أنظمة اجتماعية واقتصادية معينة من الاستغلال. وبينما يعتبر ماركس الإقطاع والعبودية أنظمة الاستغلال الاجتماعية والاقتصادية النهائية التي تؤدي إلى الاغتراب عن العمل، فإن هذا يُعد انعداماً للحرية، فإنه جادل بأن العمال المأجورين في الرأسمالية ليسوا أحراراً أيضاً، لأنهم يظلون منفصلين عن وسائل إنتاجهم ولأنهم مُجبرون على بيع قوة عملهم. لذلك، فإن نظام الكفالة العبودي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى ظروف عمل سيئة، بسبب عدم حرية العمال، سواء كان ذلك بسبب الاغتراب أو ضبط النفس، والكاتبة تأخذ بوجهة النظر الماركسية هذه.


وعن هدف هذا الكتاب، تقول إنه يسعى إلى إظهار كيف أن معايير التوظيف في العمل المنزلي لا تنتج فقط من الهيمنة التعسفية، لكن أيضاً الوساطة الأخلاقية. إن وجود الأخلاق أو غيابها بين أرباب العمل، يمكن أن يفسر العلاقات الشخصية المختلفة لنزع الصفة الإنسانية، والطفولة، والاعتراف التي نجدها في العلاقات غير الحرة للعمل المنزلي. مع ذلك، هناك حدود للقوة التفاوضية الممتدة من خلال الوساطة الأخلاقية، لأنها لا تخلّ بالعلاقة غير المتكافئة التي أنشأها نظام الكفالة، وبالتالي تفشل في التشكيك في السلطة التعسفية لأصحاب العمل. مع استمرار أرباب العمل في تقويم العمل وقواعده وإدارتها في منازلهم، فإن لديهم سلطة رفض رفع الدعاوى التي تقدمها عاملات المنازل أو الانتقام منهن. في الواقع، من المحتمل أن يحدث هذا في حالة عاملات المنازل المحرومات من الإنسانية اللواتي هنّ في أمسّ الحاجة إلى التفاوض من أجل ظروف عمل أفضل. هذا الحد للتفاوض المباشر وتعبئة الأخلاق تعترف بهما الحكومة الفلبينية التي تحذر عاملات المنازل المتجهات إلى الدول العربية من الاحتمال الكبير بأن يتعرّضن للاغتصاب عند الهجرة. هذا التهديد الوشيك بالسيطرة يؤكد أن عاملات المنازل لسن حرّات.
تقول الكاتبة التي تعمل أستاذة علم الاجتماع والجنس والدراسات الجندرية في جامعة جنوب كاليفورنيا بخصوص مخطّط مؤلفها المهم: تثبت هذه الدراسة غياب معايير عمل لعاملات المنازل في مشيخات الإمارات، ما يوضح أن هذا الغياب ينبع من السلطة الحكومية التي تمنح الكفالة لأصحاب العمل مقابل عاملات المنازل، والتي تجعلهن عرضة لسوء المعاملة. أمر يجعلهن مستعبدات/ غير حرات، وفقاً للمفاهيم الجمهورية للحرية.
وعن بنية المؤلف، تقول الكاتبة: يلي الفصل الأول (الطفولة القانونية وعدم سيطرة العبودية) المقدمة (ما العمل غير الحر؟) عن حوكمة العمال المنزليين المهاجرين من قبل مشيخة الإمارات كونها الطرف المستقبِل. ويقر القانون عدم حرية عاملات المنازل في ظل نظام الكفالة لأن العاملات والعمال، يُحرمون من استقلالية الدخول إلى سوق العمل بحرية من دون إذن ربّ العمل، وأيضاً لأنهم يتحملون المسؤولية القانونية مقابله.
ينتقل النقاش في الفصل الثاني (إدارة العمالة المهاجِرَة المستضعفة) إلى دور الدولة الفلبينية متسائلاً: كيف تدير هجرة مواطنيها لدخول مهن شديدة الضعف من دون حماية عمل كافية؟ ينص هذا الفصل على أن الدولة الفلبينية تسعى إلى حماية العمالة المنزلية المهاجرة مع تعزيز هجرتها من خلال إنشاء معايير عمل طموحة والعمل على تطبيق هذه المعايير بمساعدة وكالات التوظيف الخاصة وتمكين العمال المهاجرين من خلال تثقيفهم بشأن هذه المعايير مسبقاً وتشجيعهم على التفاوض مباشرة مع أصحاب العمل من أجل الاعتراف بهذه المعايير.
في الفصلين الثالث (تعبئة الأخلاق) والرابع (الهروب من العبودية لعدم حرية التجريم) تصف الكاتبة، بكلماتها هي، ظروف عمل العمالة المنزلية. بينما يمكن قياس العمل المنزلي بطرق عدة، بما في ذلك يوم الإجازة وعبء العمل والراتب واستهلاك الطعام وحرية الاتصال مثل الوصول إلى الإنترنت، يقارن الفصل الثالث ظروف العمل عبر الأسرة على وجه التحديد من خلال مناقشة استهلاك الطعام.
السلطة الحكومية تمنح الكفالة لأصحاب العمل


يتطرق الفصل الرابع إلى السؤال عما يحدث عندما يرفض أرباب العمل جهود عاملات المنازل لتحسين ظروف عملهن. يعدد هذا الفصل نقاط الضعف الشديدة التي تعانيها عاملات المنازل في ظل نظام الكفالة ويصف ظروف العمل لأولئك غير القادرات على التفاوض من أجل ظروف عمل «عادلة». ويركز بشكل خاص على محنة عاملات المنازل اللواتي يهربن.
يستكشف الفصل الخامس (مسارات التنقل وعبودية الفقر) الأسئلة التالية: بالنظر إلى المخاطر المحدقة بالعمل المنزلي، لماذا تهاجر عاملات المنازل في نهاية المطاف إلى الدول العربية؟ ما أهدافهن وتطلعاتهن؟ هل يحققن تلك الأهداف؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، تنتقل الكاتبة إلى وصف «مسارات تنقلهن» بمعنى المسارات الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية لهجرتهن. يوضح هذا الفصل عدم احتمال هروب عاملات المنازل من الفقر الذي كان الدافع وراء هجرتهن في البداية، ما يوضح أن هجرة العمالة هي في نهاية المطاف قصة من الجمود (immobility).
كما أثرت الكاتبة عملها بملحقين مهمين.

Unfree: Migrant Domestic Work in Arab States. Stanford University Press (2022). extent: i-viii, 232 pages. Rhacel Salazar Parreñas*