رغوة الكلام

أولئك الذين يعتقدون ما كتبناه حقيقة، استطاعوا الإفاقة قبل سقوط الأمنيات التي صنعناها من رغوة الكلام، قبل تهوّر الكاميرا في اصطياد شراسة الغيب.
ماذا لو أن الدم يكتب خواطره بيده اليسرى، بدلاً من الحديث بمفردات جافة، ماذا لو أن الصحراء تقدم الاعتذار للعصافير عن استبدادها العنصري، بلسان يسرف مدخراته في الثرثرة
لا أستطيع أن اتهم الخيول بكتابة مسودات الموت الأولى
يجب أن أقارن بين ما أنفَقَتْهُ من وقت في تهذيب التاريخ، وبين نهاية العالم المندفع عبر شاشة الحاسوب.

لا حاجة لمراث لا تشبه حتفي،
مراث لا تنزل في الطرقات
العامة، ولا تستظلّ بأعمدة النحيب،
لا حاجة لحقائب لا تتشبّث بالتلاميذ قبيل سقوطهم في غيابة الأسئلة الماكرة، لا حاجة لنظريّات مسبقة الدفع؛
عن البراغماتية، البيروقراطية، التكنوقراط،
الراديكالية، الفيدرالية، الليبرالية، التعددية.
عن حرية الإنسان، الشرق الأوسط الجديد،
صراع الحضارات، نهاية التاريخ،
الربيع العربي، الفوضى الخلاقة،
لا حاجة لأغان لا تسترسل في الفتنة
ولا تنصت لغوغائية النزوات.


تعاسة تكبر نيابة عنك


تقريباً، ليس لديك شهية في اليقظة
الرداء الذي يتشبث بك لم تعد تعني له الشيء الكثير،
الأسرار لا تحتفظ حتى بنصفها،
البحر تأخذه على علاّته وهو يقف قبالتك
مسترخياً يبوح بهواجسه.
بالتأكيد، كان الأمر فوق احتمالك حين غادرت الفراش، ورأسك مقيّدة بتعاسة خفيّة، تعاسة تتخطّى الهامش دون هوادة، تعاسة تطل عليك بصوت أعلى من اللازم، تعاسة تكبر نيابة عنك، وتسيء التصرف دون أن تعتذر.
كانت الوساوس أوّل ما يستيقظ فيك
تعتكف في هودج الفضيحة، الفضيحة الأكثر فصاحة من ظنونك.
ليس لديك تعليق ساخر على هذ التجمهر ضد الوحشة
التعاسة لم تكن مزهوّة بوسامتك، لم تجدْ من يسهر تلك الليلة على
تربية عصيانك، ثم يحرس اليقين
النائم عند مداخل القرية.


برق خبيث


لم ينتبه للقارب الذي عبر سرّاً بحر القصيدة
للوردة التي انتحرت في قلب الشاعر
لرائحة طريحة الفراش
للغة تربّي الأطفال قبالة الشفق الأحمر
لعيون مبلّلة بالأرق لا ينقصها إلا الأمن
لغموض تقف الشياطين على ضفته
لريح تسترسل في الحكمة.
ما أكثر الكائنات التي تتلألأ على النار، والبرد يمرّ ثقيلاً عليها.
هو ذا يتكشف بين المياه، يخلع نعليه على أرض حبلى باللهب،
أرض ملأتهْ بالظلال، خبّأتْ الأمل في حواصل القصيدة،
اشتبكتْ مع الغضب النابت فوق الشبابيك.
لذتُ بالقرى،
بالتعاويذ التي تثرثر تحت ثياب البنات،
بأصابع تتهجى الوجل المخاتل في أغطية
المواليد، وتنشّف غوايات الأسرّة،
الغوايات التي كنت تتحالف معها لضرورات جسدية.
لايزال جنونك مرحّباً به، في الحدود المتنازع عليها
في الكبرياء الذي ليس له داع
في الخيال المطرز باللهفة.
وحدك الآن
ثمانية وعشرون حرفاً تتصاعد قبالتك
فيما الغرباء يغسلون صدرك
ببرق خبيث.



بيارق

خُذْ معك البيارق الفخورة بالضجر
ما أجفّف به جرح الهزيمة
ما كنت تتباهى به
أمام الغرباء وقطّاع الطرق
خُذْ معك ما لا أحزن عليه
وليس له ذكرى واحدة
خُذ وجهك المسرف في السهو
مفتوناً بالأبوّة الكاذبة
خُذ طبولك وهي تئنّ في عظامنا،
رائحتك التي تمجّدها الميكرفونات بلا خجل.
هذا ضوءنا اليابس
خرج من أكياس الكبرياء
من الرسائل الالكترونية
ضوء كالعدوى، شبيهاً بالعدم
صاعداً على شجر كثيف في الظلام
نردم به التناسخ المحفوف بالرماد والتأويل
نتقاسم معه النهار المبارك
والمفردات الباطلة.

شاعر من السعودية