محمد دريوس *
وصول الجثمان
(إلى روح همام متوّج)

لا شيء يحصل
في ريف في مدينة ساحلية
الذي يحصل
أن لا شيء يحصل في مقبرة في ريف في مدينة ساحلية.

الفتيان
صعدوا أدراجاً خفيّة في الليل
ونثروا وروداً على سطوح الجارة

مرّت الجنازة مسرعة

الوقت فراشة مصبّغة، الموت يكيدُ للألوان
الدم يعيد اكتشاف البلاد

مرّت الجنازة مسرعة

عشرون نجاةً في الرصاصة الواحدة
عشرون
قميصاً مدمّى، في شرفة الوالدة

مرّت الجنازة مسرعة

الشمس تردّد مقتلة الثغور
ويضجّ هواء النائحات
الصراخ يأتي من فوق
من جهة النسيم الذي رقَّ
وابتردْ

الدم يصل مبكراً إلى المحاجر
ثم
تصل الحقيقة
بعدها تصل الفجيعة

مرّت الجنازة مسرعة
سريعاً
مرّت الجنازة
أمام الحديقة الخرساء
أمام الأبد الأخرس
جاء العشاق والبصاصون
وكاتبو أعمدة الرثاء
قرأ أحدهم: ولا تحسبنّ.........
مرّت الجنازة
مرّت الجنازة مسرعة.

سيأتي المساء الجارح كما ينبغي أن يأتي مساء جارح
ثقيلاً
على بيت في الأطراف
سيأتي مساءٌ يشبه ليلاً طويلاً
رفوف النحل ستعقد على نرجسة قاتمة
وتهرع صبية إلى رسائلها القديمة
وتنتحبْ.

سيعود الزمان الذي تثلّمت أطرافه
وتنتبه الوالدة أن غسيلها يقلّ
ويجفُّ الخبز على المائدة
وأن يديها فارغتان فارغتانْ.

مرّت الجنازة مسرعة.



أرواح الغائبين

كلّ عشر، عشرين
أو ثلاثين من صيفيّات مماثلة
كلّ عشر
عشرين أو ثلاثين
من وصول ٍمفاجئ لقطارات هادرة
يترجّلون
ويقفون قرب الأعمدة بتوجّس
يحاولون أن يظهروا للمارّة والحرّاس والمفتشين
كأنهم هنا منذ الأزل
سكّان المحطة السابعة عشرة
وخطى الأشباح الليلية
ينزلون
من ابتسامات مكسورة
من صور في المحافظ، بابتسامات مكسورة
يردّدون أسماءهم
وألقاب زوجاتهم
يُظهرون الشهادات التي حصّلها أبناؤهم
أمام الأبواب
ظانّين أنها
ستتذكّر
وتبارك.
أن المشجب والثلاجة
الأدراج ووسائد القشّ وآية الكرسي
ستفرح
وتستجيب.

يفتشون أمتعتنا
بحثاً عن حبّنا لهم
عن بهجتنا لوصولهم أحياء
من غرفة النوم إلى غرفة الاستقبال
ويغتمّون
ذلك أن الصيف الحادي عشر
أو الحادي والعشرين
أو الحادي والثلاثين، حلّ
والحربُ
جلست في الكرسي الوحيد الفارغ
على مائدة العشاء.

يغتمّون
يغتمّون، وابتساماتهم المكسورة تغيب
وأيامُنا تتوسّل.
* شاعر سوري