ترجمة وتقديم: رَشِيدْ وَحْتِي
هِيَ ذي شذراتٌ لم تُنْشَرْ بَعْدُ في كتابٍ، قمنا بِتجمِيعِها من صفحة ستيتية الرسمية على فيسبوك، وأرسلنَا صَنْعَتَهَا العربية للشاعر قَصْدَ الاطلاع، وكانَ أنْ لَاقَت استحْسانهُ. وهذه التجربة في الشذرة استكمالٌ لِنوعٍ كِتَابِيٍّ مارسه ستيتية طويلا، وَبَلَغَ ذروتَهُ في تجميعها: كُرَّاسَاتُ الْـمُتَأَمِّلِ [2003]، لكنَّهُ وَجَدَ، قَبْلًا، نواتَه في ديوان الشاعر الثاني الـمؤَلَّف من قصائد وجيزة شَذَرَاتٌ: قَصِيدَةٌ [1973].

مَهَّدْنَا للشذرات بمُجْتَزَأ من حوار مع الشاعر يتحدث فيه عن فن الإيجاز، وَأَتْبَعْنَاهَا بِنُتَفٍ أُخْرَى مِنْ كُرَّاسَاتِ شَذَرَاتٍ نَشَرَهَا سْتِيتِيَّةْ آنِفًا، ثُمَّ ذَيَّلْنَاهاَ بمقتَطَفٍ مِنْ سيرة الشاعر: حَفْلَةُ جُنُونٍ [عنوانٌ من اقتراح الشاعر خلالَ دردشتي معه على صفحته].
ر.و.
1. شِعْرِيَّةُ اللُّمَعِ

مَا الْبَلَاغَةُ فِي الشِّعْرِ؟ هِيَ تَرْكُ اللِّسَانِ، اللُّغَةِ، يَقُومَانِ لِوَحْدِهِمَا بِمَشْغَلَةِ إِعَادَةِ خَلْقِ الْعَالَمِ دُونَ الْاسْتِنَادِ لِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ دِينَامِيكِيَّتِهَا الْـمُطَّرِدَةِ كَمُحَرِّكٍ يَدُورُ فِي الْفَرَاغِ، وَبِهَذَا الدَّوَرَانِ يُنْتِجُ أَيْضًا ضَجَّةً أَكْبَرَ. مُقَارَنَةً بِهَذِهِ الدِّينَامِيكِيَّةِ الضَّاجَّةِ، أُوْثِرُ بِبَوْنٍ شَاسِعٍ حَرْفِيَّةَ كَلِمَاتِ مَالَارْمِي —"عُزْلَةٌ، رَصِيفٌ، نَجْمَةٌ" — الَّتِي، أَحْيَانًا، وَبِإِيْجَازٍ، كَمُعْجِزَةٍ خَرَجَتِ مِنْ غَفْوَتِهَا لِتَخْتَفِيَ مِنْ جَدِيدٍ، تَرْفَعُ الِحِجَابِ، عَبْرَ شُرْفَتِنَا الْكَوْنِيَّةِ، عَنْ "الْتِمَاعَاتٍ تُقَرِّبُ مِنَّا الْعَزْفَ السُّبَاعِيَّ". مُعْجِزَةُ لَحْظَةٍ مِنْ أَبَدٍ. فَالْأَبَدُ، حَقًّا، وَالتَّوَحُّدُ، حَنِينُنَا لِلْمَكَانِ. وَلَيْسَتِ الشَّذْرَةُ فِيهِ إِلَّا لَحْظَةً رَائِعَةً — وَمَبْتُورَةً. وَدَدْتُ لَوْ قُلْتُ: بَاتِرَةً. وَحَبَّذَا شَذْرَةٌ وَاقِعِيَّةٌ عَلَى كُلٍّ غَيْرِ وَاقِعِيٍّ. فَالْكُلُّ يَحُومُ مِنْ فَوْقِنَا وَأَبْعَدَ بِكَثِيرٍ مِنْ كَلِمَاتِنَا الْبَئِيسَةِ الَّتِي تُحَاوِلُ بِشَكْلٍ أَرْعَنَ الْقَبْضَ عَلَى تِلْكَ اللَّحْظَةِ. [الْكَلَامُ وَالْبُرْهَانُ، حِوَارَاتٌ، 1996.]

2. أَفْكَارٌ لِنَفْسِي

ثَمَّةَ مَنَاخَاتٌ يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ فِيهَا الْحُرُوبُ. الْأَزْرَقُ وَطَنٌ.
*
اَلـْمَلَاكُ — تَعْرِيفًا — بِلَا زَوَايَا. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَزِجًا لِسِعَتِهِ.
*
اَلشِّعْرُ احْتِرَاقٌ لَا يُفْهَمُ وَلَا يَخْبُو.
*
أَجْمَلُ هِبَةٍ لِلْبُسْتَانِيِّ، كُلَّ صَبَاحٍ، هُوَ ثَنَاءُ الزُّهُورِ الصَّامِتُ.
*
نُقِيمُ فِي ظِلَالِ عُقَدِنَا كمَا لَوْ تَحْتَ فَرْشَةٍ، وَالْبَحْرُ قُبَالَتَنَا.
*
تُتِيحُ لَنَا الثَّقَافَةُ أَنْ نَتَنَزَّهَ لَدَى الْآخَرِينَ. يَنْبَغِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ دُونَ الْإِضْرَارِ بِبَسَاتِينِهِمْ
*
اِرْتَمَيْتُ فِي الْـمِحْبَرَةِ هَرَبًا مِنَ الْغَرَقِ.
*
ثَمَّةَ مَجْنُونٌ يَحُومُ وَسْطَ الْحَضَارَاتِ. هُوَ مَنْ يُلْهِمُهَا. وَهُو، أَيْضًا، مَنْ يُحَطِّمُهَا.
*
اَلرِّوَايَةُ صُورَةُ شَمْسِيَّةٌ لِلْقَلْبِ. وَالشِّعُرُ، تَخْطِيطَاتُ الرُّوحِ.
*
يَحْدُثُ لَنَا، مُسْتَنِدِينَ لِجِدَارِ، أَنْ نَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْطِيمِ الثَّلَاثَةِ الْآخَرِينَ الَّتِي تُشَكِّلُ لَنَا سِجْنًا.
*
أَنْ تَقِفَ عَلَى ضِفَافِ نَفْسِكَ — تِلْكَ الْبُحَيْرَةِ الْعَمِيقَةِ —، وَتَصْطَادَ بِقَصَبَةٍ.
*
اَلْيَوْمَ مُخَصَّصٌ لِلْبَسْتَنَةِ، أَضَفْتُ غُصَيْنًا لِرُوحِي.
*
اَلْحَيَاةُ مُوسِيقَى تَرْقُصُ عَلَى خَيْطِ شَفْرَةِ سِكِّينٍ.
*
عَلَى صَفْحَةِ النَّهَارِ النَّاصِعَةِ، أَكْتُبُ بِقِطَعٍ مِنْ فَحْمٍ. خَرْبَشَاتٌ عَلَى جِدَارٍ.
*
اَلْإِنْسَانُ قِرْدٌ فَاشِلٌ.
*
يَمُوتُ الْبَالِغُونَ مَعَ سِنِّ الْبُلُوغِ، ثُمَّ يُوَاصِلُونَ تَقَدُّمَهُمْ فِي السِّنِّ.
*
اَلْإِنْسَانُ تَرْكِيبَةٌ مُعَقَّدَةٌ، مُعَقَّدَةٌ بِشَكْلٍ رَهِيبٍ. إِنْ كُنْتُ أَحْيَانًا، فِي هَاتِهِ الْـمَرْحَلَةِ الْجَدْبَاءِ، أُحَاوِلُ أَنْ أَجِدَ فِي الشِّعْرِ مَلْجَأً، فَفِي الْحَقِيقَةِ كَيْ تَبْدُوَ لِلْعِيَانِ أَحْسَنَ، وَفِي شَكْلٍ مِنَ السَّذَاجَةِ الْـمُتَبَصِّرَةِ، دَوَالِيبُ تَعَقُّدِي الشَّخْصِيِّ الَّتِي لَا يُمْكِنُنِي إِدْرَاكُهَا بِشَكْلٍ آخَرَ. اَلْجَمَالُ الْـمُتَحَصَّلُ عَلَيْهِ، بِالتَّالِي، لَيْسَ إِلَّا الْجَلَاءَ الْفُجَائِيَّ لِهَاتِهِ الدَّوَالِيبِ الَّتِي اخْتُزِلَتْ، بِغَرَابَةٍ، فِي أَبْسَطِ تَعْبِيرَاتِهَا.

3. أُذُنُ الْحَائِطِ

اللَّهُ يَسُودُ مِنْ خِلَالِ حُزْنِ الزَّنْبَقَةِ.
*
اَلشِّعْرُ، هَذِهِ الْخُطْوَةُ الْخَاطِئَةُ الَّتِي يَسْتَدْرِكُهَا خُفُّهَا.
*
نَكْتُبُ جَيِّدًا مِنْ أَجْلِ أَعْدَائِنَا. وَتَحْتَ نَظْرَتِهِمْ.
*
غَيْرُ الْخَالِصِ خَالِصٌ إِنْ أَخْلَصَ لِإِفْرَاطِهِ
*
لَذَّةُ أَنْ تَكُونَ بَهِيمَةً. لَذَّةُ أَنْ تَكُونَ. لَذَّةٌ.
*
ثَمَّةَ كِتَابَاتٌ تُنْسَبُ لِلْخُيَلَاءِ: التَّوْرَاةُ، الْقُرْآنُ. وِكَتَابَاتٌ تُنْسَبُ لِلتَّذَلُّلِ: الْإِنْجِيلُ. فَفِي هَذَا الْأَخِيرِ، رُغْمَ ذَلِكَ، يَقُولُ الْإِنْسَانُ بِأَنَّهُ اللَّهُ. يَنْبَغِي الْاحْتِيَّاطُ مِنَ الْـمُتَوَاضِعِينَ.
*
اَلْعَيْنُ تَأْكُلُ. الْأُذُنُ تَشْرَبُ. نَأْكُلُ شَخْصًا مَّا بِالَعْيَنيْنِ. نَشْرَبُ كَلِمَاتِهِ.

4. عَلَامَاتٌ وَقِرَدَةٌ

اَلْأَصْلَعُ يُخَبِّئُ مُشْطَهُ.
*
ثَمَّةَ فِي الـْمَاءِ عَطَشٌ.
*
كُلٌّ ثَعْلَبُ غَابَتِهِ.
*
شَجَرَةُ الْأَنْسَابِ هِيَ الْوَحِيدَةُ الَّتِي تَأْكُلُ ثِمَارَهَا.
*
اَلْبَرْقُ هُوَ مَا يَبْنِينَا.
*
أَجْمَلُ فَتَيَاتِ الْبَيْتِ، الـْمَاءُ.
*
إِنْ امْتَنَعَتِ الْبَاقَةُ، فَأَلْفُ زَهْرَةٍ لَا تَصْنَعُ الْبَاقَةَ.
*
بِغَسْلِ النَّبِيذِ يَثْمَلُ الْـمَاءُ.
*
اَلزَّهْرَةُ الْكَفِيفَةُ مِفْتَاحُ الشَّمْسِ الْـمُتَبَصِّرَةِ.

5. حَفْلَةُ جُنُونٍ

قُنْسْطَنْطِينْ بْرَانْكُوزِي — الْتَقَيْتُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، حَوَالَيْ سَنَةَ 1954، ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ، فِي مَشْغَلِهِ بِمُونْپَّارْنَاسْ، مَشْغَلِهِ الْـمُتْرَعِ بِقَنَانِي الشَّامْپَّانْيَا حَتَّى أَسْفَلِ الْفِرَاشِ —، وَهُوَ بِبَهَاءٍ يَلْثَغُ بِحَرْفِ الْغِينِ الْفَرَنْسِيِّ: "اللَّهُ شَجَرَةٌ بَالِغَةُ الْكِبَرِ. عِنْدَ قَدَمِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، ثَمَّةَ ذِئْبٌ يَفْتَرِسُ حَمَلًا. وَلَا وَرَقَةَ مِنَ الشَّجَرَةِ يَرُفُّ لَهَا جَفْنٌ." [حَفْلَةُ جُنُونٍ، ص. 371.]