بغداد | تتّجه أنظار الناشرين وأصحاب الدور العراقيّة إلى معرض بيروت سنوياً، مثلما ينتظر جمهور من القرّاء هذه المناسبة لمتابعة الإصدارات الجديدة التي تصل في النهاية إلى شارع المتنبي في بغداد، ناهيك عن حضور بعضهم حفلات التوقيع المقامة على هامشه، فالمعرض يوفّر فرصة للقاء عدد من الكتّاب العراقيّين المغتربين وزملائهم المقيمين في الداخل.
وبالطبع، فإنّ أساس ذلك ليس من باب التسليم بالمقولة القديمة «بغداد تقرأ والقاهرة تكتب وبيروت تطبع»، بل لأنّ الدور اللبنانيّة هي التي تتسيّد سوق الكتاب العراقي وتنتشر مطبوعاتها فيه، وثمّة تجربة جديدة هي التعاون بين دور في بغداد وبيروت في مشاريع مشتركة لطباعة المؤلفات. كما أنّ عدداً غير قليل من الكتّاب العراقيين يفضّلون نشر نتاجهم خارج البلاد؛ لجهة بقاء القوانين نفسها التي تقيّد حركة الكتاب العراقي وتصديره إلى الخارج. بالتالي هم يبحثون عن دور تضمن سهولة انتشار كتبهم ووصولها إلى القارئ العربي، وهو ما تحققه بيروت بفعل تاريخ طويل من تجارب دور النشر هناك.
ويعتقد مدير «دار ورّاقون» الروائي علي عبّاس خفيف إنّ «بيروت ما زالت تحافظ على موقعها على صعيد صناعة الكتاب العراقي نشراً وتوزيعاً.
تأسّست «ورّاقون» في البصرة أوائل عام 2014
رغم ظهور عدد من الدور الخاصّة في أكثر من مدينة عراقيّة، إلا إنّ الصلة ما زالت فاعلة بين هذه الدور ودور الطباعة والنشر اللبنانيّة عن طريق مشاريع النشر المشترك. طريق أكّد جدواه وأهميته في دعم الكتاب العربي لتجاوز الكثير من المشكلات، أو عبر الإفادة من قدرات التنفيذ التي تميّز المطابع اللبنانيّة. إنّ فكرة «عاصمة الكتاب العربي» تجد تمثيلها الأوفى في بيروت، فتراكم الخبرات لما يقارب قرناً من الزمن، والوعي المتقدّم بصناعة الكتاب وتوزيعه، والبعد المعنوي الذي تشغله بيروت ضمن أولويات الحدث الثقافي العربي منحتها حضوراً لم تؤثّر فيه التحولات السياسية في لبنان». وتأسّست «ورّاقون» في البصرة أوائل عام 2014، وتنخرط في مشروع للنشر المشترك مع دور عربيّة أخرى، منها «الدار العربيّة للعلوم ناشرون» ببيروت و»الكتب خان» في القاهرة. وينوّه مديرها لـ «الأخبار» إلى أن «تجربة النشر الخاص في العراق ما زالت تخطو خطواتها الأولى». مدير دار ومكتبة «عدنان» في بغداد (شارع المتنبي) ياسر عدنان ذكر لـ «الأخبار» أنّ «واقع دور النشر العراقيّة لا يمكن مقارنته بما يحصل مع الدور في بيروت، كون الأخيرة تأسّست منذ عشرات السنوات ولديها خبرة طويلة في مجال النشر بخاصة، عكس مجال المكتبات وسوقها الذي يمتاز به العراق، ومن ثمّ الانفتاح الذي يتمتع به الناشر اللبناني على بقية الدول العربيّة ومعارضها، غير ما نواجهه نحن الناشرين العراقيّين، وأهمّها موضوعة التأشيرة التي تتيح للبناني وغيره سهولة السفر والمشاركة في معارض الكتب».
ويضيف عدنان الذي يشارك للمرة الأولى في معرض بيروت: «إنّ من الأسباب الأخرى لهذا الواقع، أنّ العراق مرّ بأكثر من ٢٠ سنة معزولاً عن النشاطات العربيّة. لذا لم تظهر لدينا دور تطبع وتنشر وتوزّع في الخارج إلا ما ندر وتكاد تكون معدومة، باستثناء دور «الجمل» و»الورّاق» و»الحكمة»، وأصحابها يكتبون على أجنحتهم في المعارض إنّهم يشاركون باسم ألمانيا وبريطانيا وليس باسم العراق؛ لأنّهم يحملون جنسيات هذه البلدان».
ولأن الساحة العراقيّة غزيرة ومتميّزة على مستوى الإنتاج الأدبي والثقافي، يقترح صاحب دار «عدنان» سبلاً لتجاوز العوائق الحالية، منها «دعم الحكومة الذي يبدأ بإلغاء قرار ساري المفعول (منذ عهد النظام السابق) يقضي بعدم تصدير الكتاب العراقيّ إلى الخارج، ومن ثمّ قيام وزارة الثقافة بتشكيل لجنة خاصّة بالناشرين لتسهيل مهمة مشاركاتهم المستقبليّة في المعارض من دعوات وتأشيرات».