الكاتب، أودو أُلفكُتِّ، يعرف القارئ مؤلفاته من عرضنا السابق لأحدها في هذا المنبر وهو "صحافيون أجراء"، حيث اتهم الصحافة الألمانية بأنها بوق لمن يدفع وليس أكثر من ذلك («الأخبار»: 27 أيار 2015). موضوع هذا المؤلف يثير الكثير من الأحاسيس، الصادقة والمصطنعة، وهو مسألة قرار القيادة الألمانية استقبال طالبي اللجوء بأعداد هائلة، ومن دون شروط مسبقة كانت هي وضعتها هي وبقية دول الاتحاد الأوروبي. ونظراً الى الطبيعة العاطفية التي تصبغ هذه القضية، فإن الحديث فيها لا يمكن أن يكون محايداً، إضافة إلى حقيقة أنّه فجر مجتمعات غربية عديدة وفي مقدمتها المجتمع الألماني.
كثر علقوا على مؤلف أُودو أولفكتِّ، وأغلبهم تناولوه من منظور خاص. هذا ليس موضوعنا هنا، وإنما عرض وجهة نظره القائلة: إن كثراً من السياسيين والصحافيين والرابطات الاجتماعية/الإنسانية، ممن يدعمون قبول طالبي اللجوء من دون حدود، يستفيدون مادياً منه، وأن حماسهم لقبول طالبي اللجوء بلا حدود، الذين يطلق عليهم في بعض الأحيان صفة المهاجرين، ليس بريئاً في معظم الأحيان.
على سبيل المثال، يذكر الكاتب أن مصارف وشركات عديدة من تلك التي تقف في صدارة قبول طالبي اللجوء، تستفيد منه. وهو يذكر أمثلة عدة منها شركات صناعة الأدوية المضادة لوباء الكبد هيباتيتس سي، المتوقع تحصيلها مليارات اليورو أرباحاً بفضل قرار الإدارة الألمانية تطعيم طالبي اللجوء كافة بالمصل المضاد له، ويذكر بوقوف كثير من الصحافيين إلى جانب هذا القرار، ليس من باب الاهتمام بصحة طالبي اللجوء بل بسبب الأموال التي سيحصلون عليها بفضل تغطيتهم الصحافية للأمر.
الأمر ذاته يتعلق بإقحام الصحافة في الحديث عن منح طالبي اللجوء بطاقة صحية مجانية، واتهام السياسيين الداعمين لهذا الهدف من المعروفين في اللوبي، بوضع نصب أعينهم مناصب مقبلة في شركات الأدوية. الأمر ذاته يسري على الصحافيين العاملين في هذا المجال.
الكاتب يذكر القراء بأنّ ثمة 219 عضو برلمان ألمانياً في مواقع قيادية في مجال صناعة مساعدة اللاجئين. معنى ذلك، دوماً بحسب الكاتب، أنهم يخدمون أرباب العمل وليس الناخب الذي كلفهم بتمثيل مصالحه. أما الأمر الخفي على الناخبين، فيكمن في حقيقة أن مختلف الأحزاب تشجع السياسيين على النشاط في المؤسسات الاجتماعية. السبب، اهتمام الأحزاب بزيادة تمويلها الذاتي. الحزب الاجتماعي الديمقراطي في منطقة الرور، يفرض على كل عضو برلمان في تلك المنطقة التبرع بنحو 30% من عائداته من عضوية المنظمات الاجتماعية لخزينة الحزب. أما الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فيفرض مقدار 25%، وحزب الخضر يفرض مقدار 50% للأمر ذاته. أما الصحافيون، فيحصلون على جوائز وهبات من المؤسسات والهيئات العاملة في المجالات الاجتماعية.
الكاتب يؤكد قوة الروابط القائمة بين صناعة اللجوء/ الهجرة والاجتماع من جهة، وعالم السياسة والميديا من جهة أخرى. إحدى نتائج هذه الروابط القوية هي أنّ السياسيين، على المستوى القومي أو المحلي، يقررون أين تصرف هذه الأموال المخصصة لطالبي اللجوء، ويشبه الأمر بتكليف شركة صناعة الأسلحة الألمانية باتخاذ قرار متى تحصل الشرطة الألمانية على السلاح ونوعه وكميته.
معظم المصارف والشركات متحمسة لقبول طالبي اللجوء

إضافة إلى ما سبق، يعدد الكاتب الكثير من الأمثلة على ما يراه من صناعة إضافية تسمى إعداد الترويح عن النفس (لدى طالبي حق اللجوء)... حتى لا يشعروا بالملل من انتظار بت السلطات في طلباتهم.
الأمر الآخر الذي يلفت الكاتب الانتباه إليه هو مسألة الرعاية النفسية للاجئين الذي يعانون من صدمات الهجرة الخطرة وما إلى ذلك. لا يدين الكاتب هذا الأمر فقط، بل يضيف إليه إدانة المروجين له.
الأمر المهم هنا أن الكاتب يتساءل دوماً عن سبب عدم إضفاء هذه الرعاية الخاصة على مستحقيها من الألمان. ثمة أكثر من ثلاثمئة ألف ألماني منهم 32000 طفل من المشردين المجبرين على العيش في العراء، ويسأل: أليس لهؤلاء حقوق مماثلة؟ منع المعونة عن مستحقيها من الألمان، دفع حتى بالصحف اليسارية إلى الاعتراف بأنّ المشردين الألمان يشعرون بالتمييز ضدهم، ويجلب مثالاً على هذا التمييز من مدينة هامبورغ حيث يوجد نحو ألفي مشرد يعيشون في الطرقات والشوارع، وعدت الحكومة المحلية ببناء 700 مسكن لهم. النتيجة أنّ عدد المآوي المتوافرة لأولئك المشردين نقص في العام الماضي بمقدار 100 مكان. أما برنامج بناء مأوى للمشردين، فتبخر لصالح بناء أمكنة سكن لنحو 20000 طالب لجوء!
الأمر الآخر الذي يعيره الكاتب انتباهه هو منع نشر أخبار سلبية عن طالبي اللجوء والتشهير بكل من يحاول معارضة ذلك. على سبيل المثال، يمنع الحديث عن قيام بعض طالبي اللجوء باقتحام المتاجر الضخمة وسرقة ما أمكنهم من محتوياتها. كما منع موظفي تلك المتاجر من الحديث عن تجاربهم السلبية مع طالبي اللجوء.
رغم ذلك، ونظراً الى حجم الجريمة، لم يتمكن أي طرف رسمي من منع تداول أحداث محطة القطارات في مدينة كولونيا، وغيرها من المدن الألمانية والأوروبية حيث قامت مجموعات من طالبي اللجوء العرب بالتحرش الجسدي الجنسي بالنساء الألمانيات ليلة رأس السنة الميلادية الحالية. هذا الحدث شكل نقطة تحول حاسمة حرضت الألمان على طالبي اللجوء، وأخبار ملاحقاتهم في شوارع مدن ألمانية وأوروبية تتلاحق.
الكاتب يستعين بالإحصاءات الرسمية المتعلقة باللاجئين، فيؤكد أنّ 30% عاطلون عن العمل، ومقادير الذين يعتمدون على المعونة الاجتماعية تتفاوت على النحو الآتي: 61% من العراقيين؛ 52% من الأفغان؛ 50% سوريين، وإن وصل مقدارهم حالياً إلى نحو 90%.
نكتفي بهذا ونعيد القارئ للمؤلف الذي يحوي معلومات مهمة للغاية تظهر حقيقة أسباب حماس بعضهم في ألمانيا لقبول طالبي اللجوء.