لا رغبة لي بالكلام هذا اليوم.
سوف أصعد الترام لوحدي حتى محطة «غوجيه»،
أقفل هاتفي
وأغمض عينيّ
صراخ الطفل الذي
في العربة لا يعنيني
لن أهتمّ أيضاً بإلقاء نظرة انزعاج على أمّه اللامبالية
والمشغولة بتلوين أظافرها
هذا اليوم لن أتكلم أبداً
وليس لي رغبة بأي نقاش
من ذلك النوع الذي يدور
حول الفن أو الشعر،
ليس لي رغبة بالحديث حتى عن
مصاعب الحصول على عمل،
أو بخصوص مشاكل الأطفال.
ولا نيّة لي حتى بالضحك،
أو بالسخرية المرّة من هذا الطقس الغائم.
سوف أقطع شارع «غونيف»
الفارغ تقريباً بخطى سريعة
حتى مركز المدينة.
إنها غارقة على كل حال بسكون يوم الأحد.
رغم ذلك، ربما لمحت صديقاً،
سوف أدير وجهي وأكمل رحلتي بثقة الأعمى،
دون أن القي نظرة على مدرجات البورصة القديمة.
أرغب هذا اليوم، أن أكون أعزل من حياتي،
أعزل وحسب
بدون مصاعب ولا حتى سعادات،
أقصد تلك الأشياء المزيفة
التي سرعان ما تتبخر.
سوف أتحول
إلى كائن بدون جذور تربطه بقاع العالم،
ريشة سقطت ربما
من جناح حمامة ارتطمت بشجرة،
أو حبة غبار صغيرة،
أو حتى غيمة عابرة
سوف لن تترك أثراً.
لن يثيرني أي نعتٌ لوجودي،
وليس مهمّاً أن أتذكر
الخيوط التي تصل حياتي
بالآخرين.
وعندما أصل ساحة القديس «جيغي»
سوف أطلب قهوة نصف حلوة
وعلى طاولة في مقهى «الحمار الوحشي»
أرشف أوقاتي، وأشعل سيجارتي
ولا أبتسم للنادلة،
يبدو وجهها وعلى غير العادة مثلثاً وحيادياً جداً
مثل وجهي،
مثل هذا الطقس،
مثل نهار الأحد تماماً.
أرشف وأدخّن،
وأراقب المرور العابر
لامرأة في الثلاثين تقبل رفيقها على الرصيف بشكل مفاجئ.
أدفع نصف نظرة لعازف غجري جاء مبكراً
ولا أتكلم،
لأني أحتاج فقط أن أقوم بدور
من ليس لديه سعادات يخاف عليها،
ولا مشاكل تفسد عليه عزلته،
كائن ليس لديه أهل يموتون
بسيارات مفخخة،
و مسدسات كاتمة،
أو يختفون أثناء معارك غامضة
ومليئة بالشكوك والأكاذيب،
رجل يعيش ولا تعنيه رسائل مكتب تشغيل
التي تنغصّ عليه أوقاته.
أريد هذا اليوم أن أكون مقطوعاً من شجرة
رجلاً وحيداً ليس لديه حتى أصدقاء
في كلّ مكان،
أصدقاء يتناقصون بفعل حوادث غبية
وغير مفهومة إطلاقأً.
لا أريد هذا اليوم
أن أعرف أخباراً عن آخر المجازر
وآخر المقابر الجماعية التي اكتشفت في مكان ما
من هذا العالم.
لا أريد أن أسمع إلا ما يناسب رغبتي
في أن أكون أصماً،
أصماً بذاكرة صمّاء،
لكي أنسى الفخاخ التي تنصبها «الميديا»،
أنسى الوقائع اليومية،
أو الصراعات البائسة التي تدور
على سطح الأرض
الحقيقة أني أرغب بسحب شريحة التاريخ
من رأسي
التاريخ كلّه، أسحبه وأرتاج هذا اليوم
كما لو أني كائن لا علاقة له
بهذه الشجرة الكثيفة
والتي لا تنضج في أغصانها سوى القليل من السعادات
بينما تزدهر الكثير من الكوارث
التي غالبا ما تسقط على رؤوسنا
على شكل كلمات.

2

أنت
أيتها الماكينة الجميلة
التي لم تتوقف أبداً
الحشرة الصفراء الثقيلة
التي تسحق الحقول.
كم هو واسع فمك المفتوح
كهاوية عميقة،
وكم هو بارد وصلب قلبك
الذي مثل الرعد،
وكم أنت ماهرة
عندما تتقدمين
ثم تحصدين
كلّ شيء.

3

لو لم يُصبْكَ اليأس أيها الصياد،
لو لم يصبك،
سأكون السمكة الكبيرة التي أمرّ الصدفة من هناك،
لو رميت خطافك للمرة الأخيرة
لو رميته،
لكنت رأيتُ بالصدفة ذاتها الطعم الذي يتدلى
لو كان فقط تدلّى،
لكنت جئتُ بكامل الرضا إليك،
لو صبرتَ قليلاً قبل أن تغيب الشمس،
لكنت أسرعتُ إلى الصنارة،
لكنتُ علقت بها،
ولكنتَ أنت الآن
منشغلاً بالرقص الذي تمارسه الغمازة،
لكنتَ سحبت خيطك القويّ،
وأنا أصعد
سوف أصعد، لو كنت صبرت
البهجة سوف تملأ أعماقي
ويرافقني السلام والشعور بالرضا
لو لم تجمع سلتك الفارغة
وترحل صامتاً أيها الشاب
لكانت ابتسامتك الآن واسعة،
وفي تلك اللحظة،
ستنفخ عيناك الجميلتان أغنية لطيفة،
عن صياد يعود إلى البيت،
في قلبه عاطفة كبيرة
عن الرزق الذي يأتي قبل أن تحلّ العتمة
وعن السعادة
التي تمنحها للمحظوظين
رحلات الصيد.

* شاعر عراقي مقيم في بلجيكا