بيتر هاندكه «الرجل الثالث»

  • 0
  • ض
  • ض

هناك قلق متأصل في قصص بيتر هاندكه (1942) ومسرحياته. في أعماله التي قاربت الثمانين، يحوّل الكاتب النمساوي مرارته السياسية العامة ببراعة إلى شعرية ذاتية خافتة وحميمة، كما في الأوديسة الأوروبية «الليلة المورافية» (2008). هذا الخوف والتعثر «الوجودي» الأوروبي دفعاه إلى الانخراط في السياسة بشكل مباشر عام 1996، يوم احتج على الهجمات الجوية لحلف «الناتو» بعد تفكك يوغوسلافيا. بعدها بسنة، وجه كتابه «رحلة إلى الأنهار: العدالة لصربيا» (1997) صفعة للصحافة الأوروبية بسبب مواقفها الجائرة بحق الشعب الصربي، وتحديداً إحدى الصحف الألمانية التي اتهمها بنشر «السم الذي لا يُداوى... سم الكلمات». أثار هذا العمل حنق الألمان والنقاد على السواء. كان ذلك قبل سنوات من رحيل الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش بنوبة قلبية في سجنه في لاهاي خلال فترة محاكمته «بسبب جرائم الحرب» عام 1992. أغضب هاندكه الأوروبيين مجدداً لحضوره جنازة سلوبودان، حيث ألقى خطاباً باللغة الصربية أمام حوالى 20 ألف مواطن. انقلبت هذه الخطوة المستفزة عليه هذه المرة. فيما كان قد تلقى خبر تسلمه «جائزة هاينرش هاينه» شفهياً، سحبت الجائزة منه بعد حضور الجنازة. مضايقات كثيرة تلقاها صاحب «الشقاء العادي» (ترجمها الشاعر الراحل بسام حجار إلى العربية، وصدرت عن «الآداب» عام 1991) منها إلغاء عروض لمسرحيته في باريس، لكنه علق على هذه الخطوة بإيجاز لصحيفة «لوموند» قائلاً: «لست مذنباً ولا بطلاً، أنا الرجل الثالث». رغم مواقفه الفجة، وحضوره الخافت واللامبالي، لا يتردد القراء والنقاد والناشرون عن تتبع آخر كتبه، التي جعلته برأي كثيرين أحد أعظم الكتاب باللغة الألمانية بعد غونتر غراس. قبل أيام، توّجت علاقته المتوترة مع الألمان بـ «جائزة وورث الأدبية» الألمانية للأدب الأوروبي (25 ألف يورو) التي نالها بسبب «رؤيته المتفرّدة لأوروبا المتنوّعة ثقافياً»، لتضاف إلى جوائز عدة أبرزها «جائزة أميركا» (2002) و«جائزة فرانتز كافكا» (2009) و«جائزة إبسن الدولية» (2014).

0 تعليق

التعليقات