خلال السنتين الأخيرتين، يشهد المغرب صعود جيل جديد من الناشرين المغاربة والأجانب الذين يطمحون إلى قلب الطاولة على أسلافهم في مجال إصدار الكتب. تتفاوت الإمكانيات المالية لهذه الدور، لكنّها تستغل انتماءها وقربها من الحساسيات الجديدة في الكتابة والإبداع في البلد من أجل إحداث التغيير. تلك هي حال دور مثل "الفاصلة" و"مكتبة الأعمدة" في طنجة المتخصصة في الترجمة و«En toutes lettres» في الدار البيضاء التي حازت قبل أيام جائزة «الأطلس الكبير» عن كتاب فكري.
دور آلت على نفسها أن تحترم عقود التأليف كما هو متعارف عليه في تعويض الكتاب، وتنظيم حفلات توقيع ولقاءات دورية مع القراء. لا تراهن هذه الدور على طبع أكبر عدد من الكتب، لكنها تحاول استحداث تقاليد جديدة في النشر المغربي.
رغم هذا الحراك، تعيش صناعة الكتاب في المغرب، كما في جل الدول العربية، ركوداً له أسبابه العميقة. ثقافة الكتاب المنعدمة من جهة وغلاء الكتاب من جهة أخرى، أمر يحول دون تطور وتوسع السوق. واقع تضاعف من إشكالاته ندرة الدور الاحترافية التي لا تتوقف في إصدارها للكتاب عند طبعه وجعله سلعة كما باقي السلع، بل ترافق الكتاب في كامل دورة إنتاجه من مراجعة المسودات إلى طباعتها ومروراً بالتسويق والحضور في معارض الكتاب.
على قتامة المشهد، تظل بعض الدور علامة على حراك داخلي، ربما لا ينفتح على باقي البلدان العربية، لكنه ينشط داخل البلاد. عشرات الدور الصغيرة المحلية، تصدر سنوياً عشرات الكتب في الآداب والعلوم الإنسانية. وتظل «دار توبقال» أو «مرسم» أو «إفريقيا الشرق» أو «الفنيك» و«منشورات طارق» و«المركز الثقافي العربي» مسيطرة على سوق الأدب والإبداع في المغرب.
شكّلت وصول روايات مغاربية إلى «بوكر» دفعة لهذه الدور

هذه الدور وجدت انتعاشة مع وصول مجموعة من الكتاب المغاربة إلى اللوائح القصيرة لجوائز عربية مرموقة كجائزة «بوكر»، وظفر بعضهم بها كما هي الحال مع محمد الأشعري الحاصل عليها، أويوسف فاضل النشيط في النشر الذي حصدت روايته «طائر أزرق نادر يحلق معي» الكثير من الاهتمام النقدي والإعلامي، أو عبد الرحيم لحبيبي الذي وجد نفسه بعد نشر «تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية» عن «دار أفريقيا الشرق» المغربية ضمن أبرز كتاب المغاربة المرشحين لـ «بوكر» الذين كسروا «الحصار» الداخلي الذي تفرضه مراكز الاتحادات والروابط الأدبية غير ذات جدوى. وبين هذا وذاك، نرى أن الدور المغربية أوجدت لنفسها موقعاً في خريطة الدور المتنافسة على جائزة تثير الجدل في كل دورة من دوراتها، وهو ما يعطي إشارة على أنّ الدور المغربية بدأت تجد الثقة في نفسها وترافق كتّابها في محاولاتهم المشروعة للحصول على بعض الاعتراف، في واقع ثقافي عربي «متعال» على كل ما هو مغاربي، ومنحصر بالمركزية المشرقية. تظل نقطة الظل في مسار الدور المغربية أنّ أغلبها يطلب من المبدعين نشر كتبهم على نفقتهم الخاصة، ما عدا استثناءات قليلة كما هي الحال مع «توبقال» و"فينيك" و"بيت الشعر" المغربي. واقع يثير الكثير من التساؤلات حول جدوى دور النشر هذه رغم أنّ وزارة الثقافة المغربية أطلقت العديد من المبادرات والمشاريع لدعم نشر الكتاب، سواء من خلال مد دور النشر بالدعم، أو من خلال منشورات الوزارة الخاصة كما هي الحال مع "الكتاب الأول" و"سلسلة إبداع" وسلاسل أخرى مختصة في الترجمة والفكر والأعمال الكاملة. لكن رغم جهود الوزارة ومديرية الكتاب فيها، تظل بعض الكتب حبيسة المستودعات، نتيجة البيروقراطية التي لا تزال تعيش الوزارة على إيقاعها.