نستعيد جمال الدين بن شيخ (1930 – 2005) في ذكراه العاشرة، فندرك أن اسمه لا يزال يسبق منجزه في الكتابة والنقد والترجمة، وندرك أيضاً نُدرة الأسماء الموسوعية في ثقافتنا العربية المعاصرة. الكاتب والأكاديمي الجزائري المولود في الدار البيضاء، والأستاذ في السوربون، ومترجم النسخة الكاملة من «ألف ليلة وليلة» بالاشتراك مع أندريه ميكيل، كان واحداً من تلك الأسماء التي تجمع بين شغف عميق بالتراث وبين شغف مماثل بدراسة هذا التراث من وجهة نظر الحاضر والمستقبل.
ذهب بن شيخ إلى «الشعرية العربية»، وعاد من مصنفات نقادها القدامى والمُحدثين بنظرة حيوية إلى أغراض الشعر العربي وبنائية القصيدة الكلاسيكية. الكتاب الذي كُتب بالفرنسية، وصار مرجعاً مقرراً في جامعات عديدة، كان المدخل الأساسي لرحلة بن شيخ في متون التراث، ومنها انهمامه الطويل بالليالي العربية وترجمتها وتفكيك تأويلاتها الممكنة. الترجمة كانت صلته المقترحة لحوار عقلاني ومنفتح بين الغرب والشرق. ترجم بن شيخ لأبي نواس والمتنبي وابن خلدون وقصة الإسراء والمعراج. وإلى جانب ترجمة الليالي، نشر مع ميكيل كتاب «ألف ليلة وليلة أو الكلمة الأسيرة». التراث لم يأخذ كل جهده، فقد كان صاحب «وردة سوداء بلا عطر» شاعراً معاصراً على طريقته، وترجم أشعاراً ونصوصاً لأدونيس ومحمود درويش. نقرأ قصائده فتصلنا تلك النظرة المواربة والخصبة إلى العالم، ويذكرنا ذلك بمتانة بحوثه ودراساته، ورؤيته النقدية للواقع السياسي والثقافي العربي. لم تبعده انشغالاته المتعددة في الكتابة والتدريس والترجمة عن متابعة القضايا المغاربية والعربية، فكتب عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وعن سنوات الجمر في الجزائر، وعن الإسلام السياسي، وعن الاستبداد والتطرف... إلخ.
نستعيد بن شيخ في ذكراه العاشرة، نقف أمام إشاراته وأفكاره وروحيته الموسوعية والتنويرية، ونتساءل: كم تبدو اللحظة مناسبة لقراءته مجدداً مع انفجار الواقع العربي وتفتته إلى طوائف ومذهبيات وهويات صغيرة متناحرة؟!.