ترجمة أحمد عبد اللطيف
السعادة

اسمي ماركوس، ودائماً كنت أتمنى أن أكون كريستوبال. لا أن يكون اسمي كريستوبال. كريستوبال صديقي؛ كنت سأقول الأعز، لكنني سأقول الوحيد.
غابرييلا زوجتي. وتحبني جداً وتضاجع كريستوبال، الذكي، الواثق من نفسه والراقص الرشيق. كما أنه يركب الخيل. يتقن النحو اللاتيني. يطبخ للنساء، ثم يأكلهن. يمكن أن أقول إن غابرييلا طبقه المفضّل.

أحد المتفاجئين قد يظن أن زوجتي تخونني: لا شيء أبعد من ذلك. لقد أحببت دائماً أن أكون كريستوبال، لكنني لا أعيش مكتوف الذراعين. أعلن أنني لست ماركوس. أتعلم الرقص وأراجع كتيبات الدارسين. أعرف جيداً أن زوجتي تعبدني، وعبادتها لي كبيرة، كبيرة، لدرجة أنها تضاجعه، تضاجع الرجل الذي كنت أتمنى أن أكونه. وفي حضن كريستوبال، تنتظرني غابرييلا متلهفة بذراعين مفتوحتين. وأنا غارق في المتعة مع هذا الصبر، متمنياً أن تكون رعايتي بقدر آمالها وأنه ذات يوم، فجأة، ستأتي اللحظة. لحظة العشق المدمر الذي تجهزتْ له طويلاً بخداع كريستوبال، بالتعود على جسده، على طباعه ومتعه، لتكون أكثر راحةً وسعادة عندما أكون أنا مثله، ونتركه وحيداً.

الأشياء التي لا نفعلها

أحب ألا نفعل الأشياء التي لا نفعلها. أحب خططنا الصباحية، عندما يصعد اليوم إلى السرير مثل قط مضيء، خططنا التي لا ننفذها لأننا نصحو متأخرين بعد أن تخيلناها كثيراً. أحب الدغدغة في عضلاتنا، إذ تلمّح إلى التمارين التي نعددها دون أن نمارسها، ولصالات الجيم التي لا نمر بها أبداً، والعادات الصحية التي نستدعيها كأن بريقها، بالرغبة فيه، يصل إلينا. أحب دليل الرحلات الذي تتصفحه بذاك التركيز الذي أقدره جداً، ويضم آثاراً، شوارع ومتاحف لا نصل لوطئها، منبهرين بها فحسب ونحن نتناول قهوة باللبن. أحب المطاعم التي لا نرتادها، أضواء شموعها، طعم أطباقها المتوقع. أحب كيف يصير بيتنا عندما نكتشفه بالتصليحات، بأثاثه الملفت، بغياب حوائطه، بألوانه الجريئة. أحب اللغات التي نتمنى أن نتعلمها ونحلم بتعلمها في العام المقبل، بينما نبتسم تحت الدش. أسمع من شفتيك تلك اللغات العذبة المفترضة، وكلماتك تملؤني بالإقناع. أحب كل الأهداف، المعلنة والسرية، التي لا ننفذها معاً. هذا ما أفضّل أن أقتسمه معك من الحياة. العجيبة المفتوحة في مكان آخر. الأشياء التي لا نفعلها.

المرأة النمر

شمّتْ رائحتي كلما اقتربتُ، والتفتتْ. أحاول أن أنبهها إلى أنني لا أهتم بها، غير أني دائماً أبله ومتصنع. هي تلعق رسغيها وساعديها، وتراقبني بحيطة. تستوي في مجلسها فجأة، وتفرد ظهرها، وتتجول في دائرة حولي. أريد أن أستغل حركاتها لألتقط لها صورة أو لأكتب عنها عدة أسطر، أي شيء يجعلني فاعلاً في هذا المشهد. وفي الحال تضجر من محاصرتي وتسير عدة خطوات صوب الحافة. تهرب من الصفحة. مضطربة. ما من شيء ألمع من البقعات بلون المشمش في عنقها، الذي يتمدد وينكمش كلما راقبت مؤخرتها. منذ فترة وأنا أدرسها، وحتى الآن لم أتحقق إلا من شيء وحيد، أنها تنام آخر النهار، تتوه في الليل، وتتطلع من هذا الجانب ظهراً، حينما تشتد الشمس بحرارتها على ظهرها وتحرق حدقتيها الملونتين. ومنذ اليوم الذي عثرت عليها فيه، شاردة، ضاغطةً بنابها في رقة على شفتها، لم أتوقف عن تخيل صيد الحيوانات. من يصطاد من؟ فمها بالطبع يعد بدوران، بدم، بطقس موت رشيق. وسلاحي قلمي: الكافي، على الأقل، للاستسلام بكرامة. رجفة المضطجع، وخطوط بطنه عند التنفس، تغرق نظري، تثير هواجسي. وهديرها العذب لشلال صغير يطاردني عندما أحلم. وعند اليقظة، في المقابل، أحلم بمطاردته. تتمتع بحاسة شمّ حادة، حتى إنها تستسلم للدهشة فوق الصفحة. قد يحتاج الأمر إلى رواية، وربما إلى عدة روايات، للإحاطة بالأمل الذي ينز منها ويُحفظ في لحظة بوسط فقرة ما. لكن لفعل ذلك قد أحتاج إلى دراستها خلال سنوات. وفي نهاية المطاف، كل شيء يكمن في أن تتمكن من خداع النمر. يجبرها الجوع، أحياناً، على الاقتراب بتلصص ساحر ولعق نفسها. وإن كانت لم تهاجمني إلى الآن فذلك لأنها، مؤقتاً، يروقها ما أكتبه، أو على الأقل يداعب مرحها. ومن جانبي، أنا مستعد للتضحية: البقاء في الحياة محض تفاهة... وأعرف جيداً أنني لا أهمها كثيراً، وأنني بالنسبة إليها، بالأساس، لست إلا قطعة لحم. غير أنني أعرف أيضاً أنه إذا مر يومان دون أن نلتقي، تبحث عن أي ذريعة لتعود وتدور في قصتي. حتى إنها أحياناً تمنحني الشرف وتقلم أظافرها أمام عينيّ، وتفركها ببطء متقن في شجرة. وأحياناً ألاحظ كيف تتأخر في ساعة الانصراف، بينما كانت ترسم موجات مغناطيسية بذيلها المنقط. وأكثر من ذلك، أنا على يقين أنها في دورها كحيوان شرس وصامد، تشعر بالوحدة في ليالي القمر المكتمل. وأنها أحياناً، أيضاً، تبذل جهداً وتتذكرني.

* أندريس نيومان (بوينس آيرس ــ 1977) روائي وشاعر وقاص أرجنتيني يقيم في إسبانيا منذ أواخر الثمانينيات، وهو ابن لموسيقيين هاجرا بلدهما لسوء أحواله. بدأ الكتابة منذ سن مبكرة ونشر ديوانه الأول وهو في العشرين، وأحدث صدى حسناً، ثم نشر القصة والرواية. اختارته مجلة «جرانتا» كأحد أهم وأبرز الأصوات السردية الشابة في إسبانيا وأميركا اللاتينية، واختاره مهرجان «بوجوتا 39» من ضمن أبرز الكُتّاب الشباب تحت الأربعين. فاز بالعديد من الجوائز المرموقة، أبرزها «جائزة ألفاجوارا» عن روايته «رحالة القرن» التي فاز بها أيضاً بـ«جائزة النقد». صدرت له روايات «يتحدثون مع أنفسهم»، و«الأرجنتين كان يا ما كان»، و«الحياة في النوافذ»، و«باريلوتشي»؛ ومجموعات قصصية «يتصنع أنه ميت»، و«نهاية القراءة»، و«الدقيقة الأخيرة»، و«ولادة»، و«الذي ينتظر»؛ ودواوين «عاصفة في الجيب» و«لا أعرف لماذا» و«ممر المجانين»، و«شخص ما على الجانب الآخر»، و«عِقد»، و«صوفية دانية»، و«قطرات سوداء»، و«سونيتات الغريب».