عمّان ــ أحمد الزعتريفي مقهى Gloria Jeans في شارع الجامعة في عمّان، جلس معن الشريف وربيع بريك من فرقة Mute، متوجّسين قلقين. سيقدّم الموسيقيان الشابان وصلة في يوم «حرية الموسيقى» الذي يحتضنه غداً «مسرح البلد» في العاصمة الأردنيّة. أخرج معن غيتاره ورافقه ربيع بالغناء عن الوطن وأشياء أخرى. رغم خلو المقهى من الروّاد بسبب الضباب والمطر، مارس الشابّان رقابة ذاتيّة على أغانيهما، واتفقا على تغيير بعض الكلمات التي «تمسّ بالخطوط الحمر»... كأنّهما تحوّلا إلى رقيبين على الموسيقى في يوم حريتها. «هل أُعَد خائناً إن انتقدتُ وطني»، تساءل ربيع، لكنّ السؤال الأدق الذي لم يطرحه: «هل أتعرّض للمساءلة إن انتقدت وطني؟».
غداً، ستنضمّ عمّان إلى القاهرة، وكابول، ونيويورك، وباريس، واستوكهولم، وأمستردام، وبومباي، وبرلين، وأوسلو ومدريد للاحتفال بـ«يوم حريّة الموسيقى» الذي تنظمه Freemuse للسنة الرابعة. علماً بأنّ المؤسسة هي منظمة عالمية مستقلّة تُعنى بحرية تعبير الموسيقيين. ويهدف المهرجان إلى التوعية على أهمية حرية الموسيقى، والتحرّك ضد اضطهاد الموسيقيين والرقابة على أعمالهم... وفي الوقت نفسه، ستحتفي كل تلك العواصم بالموسيقى البديلة وغير التجاريّة.
أشكال الاحتفال ستختلف من عاصمة إلى أخرى، وستواكبها Freemuse بإطلاق أسطوانة «استمع إلى الممنوع» (Listen to the Banned) التي تتضمّن أغاني لموسيقيين عانوا الاضطهاد في بلدانهم، من بينهم مرسيل خليفة الذي نعرف قصته مع قصيدة درويش «أنا يوسف يا أبي»، والموسيقي السوداني أباذر حميد الذي يعيش منفيّاً في القاهرة بعدما زار دارفور لإقناع مغنيات قبائل الجنجاويد بالغناء للسلام. وتضمّ الأسطوانة كذلك أغاني للفلسطينيتين كاميليا جبران وأمل مرقص، والأفغاني فرهد داريا، والإيرانيّة مهسا وحدت، ومغنّيَي «المقاومة» في مقاطعة إيغور الصينيّة كوراش سلطان، وفي الصحراء المغربيّة عزيزة إبراهيم.
من جهتها، تستضيف عمّان في «يوم حريّة الموسيقى» موسيقيين وأكاديميين ومتخصصين وصحافيين ليتحدثوا في ثلاث جلسات. الجلسة الأولى تحمل عنوان «الموسيقى الأردنية البديلة»، وستبحث في مدى نجاحها بالتحوّل إلى حركة اجتماعيّة، بما أن الموسيقى البديلة ـــــ أينما وجدت ـــــ جاءت خياراً آخر للإصلاح الاجتماعيّ والسياسيّ. سيتحدّث في هذه الجلسة الموسيقيّ يعقوب أبو غوش، وسوسن حبيب مؤسسة شركة OrangeRed المعنيّة بتنظيم الأحداث الثقافيّة، ومديرة «الصندوق العربي للثقافة والفنون» فيروز التميميّ، وعبد الله الخالدي من موقع Jeeran.com. وستناقش الجلسة الأولى أيضاً، المصاعب التي تعترض الموسيقيين المشتغلين بالموسيقى البديلة، ونظرة الجهات الرسميّة إليها، ودور الإنترنت في نشرها.
أما الجلسة الثانية فتخصص للحديث عن الرقابة على الموسيقى في الأردن، وتستضيف ممثلاً عن «هيئة الإعلام المرئي والمسموع» في الأردن ليُطلع المشاركين على معايير الرقابة وكيفيّة منح إجازات الأغاني. ويشارك في الجلسة المدوّن محمد عمر الذي سيروي تجربته ودور الرقابة الذاتيّة ومدى تأثيرها على تطوّر الموسيقى البديلة في الأردن. كذلك ستلقي الجلسة الضوء على أمثلة موسيقيّة كانت ضحيّة المنع.
في الجلسة الثالثة، سيتحدث كل من الصحافي ماهر أبو طير والموسيقي عزيز مرقة عن الأغاني الوطنيّة الأردنيّة. سينطلق النقاش من مقالة أبو طير التي نشرت أخيراً، ويسأل فيها إن كان تقديم الأردنيين «في الأغاني التي تفيض غضباً وكراهية باعتبارهم قتلة يليق بنا؟».
تنطلق الجلسات في الرابعة من بعد الظهر، برعاية كل من السفارة الدنماركيّة، و«المركز الثقافي الفرنسي»، و«راديو البلد»، وموقع «جيران»، و«إيقاع للإنتاج»، و«مسرح البلد»... وستلي النقاش حفلة موسيقيّة تقدمها فرقة Mute، ومغنو الراب أحمد الخالدي، ونيكولا خوري، وعبد الله الخالدي.
يصعب الادعاء أنّ الموسيقى في الأردن بخير مع خلو المشهد من الاضطهاد المباشر. لكن ألا يُعد الاكتفاء بلون موسيقي واحد والترويج له شكلاً من أشكال انتهاك حريّة الموسيقى؟ وحدها الموسيقى البديلة، تلك «الطفلة الوحشيّة» قد تسمح لموسيقيّي الأردن بالكلام والمواجهة.