حسين بن حمزةسلمان رشدي مجدداً في دائرة الضوء. الكاتب البريطاني ـــــ الهندي فاز أمس بجائزة «بيست أوف ذو بوكر» وهي الجائزة التي تُمنح لأفضل رواية من بين الأعمال التي فازت بـ«بوكر» منذ تأسيسها عام 1968 حتى اليوم. رشدي الذي أهّلته «أولاد منتصف الليل» للفوز مرّتين بـ«بوكر»، مرةً عام 1981 ومرة عام 1993 (بوكر أوف بوكرز» في مناسبة العيد الـ 25 على تأسيس الجائزة البريطانية) حصد في التصفية النهائية 36 في المئة من أصوات المصوّتين، متغلباً على خمسة كتّاب هم: بيتر كاري، بات باركر، ج. ج فاريل، ج. م كويتزي، ونادين غورديمر (حصل الأخيران على جائزة نوبل).
سلمان الذي لم يتمكّن من الحضور لتسلّم الجائزة في لندن، قال: «إنها أخبار رائعة، وأنا سعيد جداً، وأود أن أشكر كل الذين صوّتوا لروايتي». وتعليقاً على تسلُّم ولديه الجائزة، أضاف: «إنه أمر رائع أن يتسلم ابناي الحقيقيان جائزة الأطفال المتخيلين»، في إشارة منه إلى أبطال روايته المتميزة الذين يولدون في منتصف ليلة 1947، سنة استقلال الهند عن بريطانيا. وبفوزه بالجائزة، يعود هذا الكاتب الإشكالي إلى دائرة الضوء مجدداً، هو الذي لم يغادر الدائرة إثر الجدل الذي اندلع منذ فترة، على خلفيّة حصوله على لقب فارس (سير) من الملكة البريطانية إليزابيث الثانية.
بالنسبة إلى العالم العربي والإسلامي، ستُحرّك هذه الجائزة الجرح القديم الذي صنعته رواية «آيات شيطانية». بالنسبة إلينا، سلمان رشدي و«آيات شيطانية» هما شيء واحد. بعد هذه الرواية، تحوّل اسمه إلى تابو. ورغم إسقاط الفتوى التي صدرت بهدر دمه، ورغم إعلانه الاعتذار رسمياً من المسلمين في العالم، إلا أنّ ذلك لم يغيِّر شيئاً في الأمر. صنعت «الآيات» شهرة واسعة لرشدي. لكنها كانت شهرة كاتب مهدور الدم أكثر من كونها شهرةً مصنوعة من مادة الكتابة نفسها. لم تُستقبل «الآيات» باعتبارها روايةً. المعايير الأدبيّة والأسلوبيّة أُعدمت مع الدعوة إلى إعدام صاحبها. بعدها، صار رشدي نجماً بمعايير مختلفة.
مقابل شهرته هذه، خسر رشدي الكثير في خضم كل هذه التعقيدات. وأول ما خسره هو صفته روائياً وكاتباً من طراز فريد. بنبرته الآسرة والدسمة، دشّن رشدي ما سُمي لاحقاً “الأدب الكولونيالي” أو “أدب المستعمرات”. “أطفال منتصف الليل” كانت علامة فارقة على ما سيكون عليه هذا النوع من الروايات.
لن تكون الجائزة الجديدة آخر الجوائز التي سيحصل عليها رشدي. ولن يكون غريباً أن يحصل على جائزة “نوبل” قريباً. لكن كل هذا لن يمحو التأثيرات السلبية التي سببتها “الآيات الشيطانية”. لا بدّ من أن رشدي يعرف أنّ “الآيات” عرقلت مسيرته كاتباً، وأنها باتت حاجزاً أمام قراءته بطريقة طبيعية. ولعل فوزه الحالي عن رواية «أطفال منتصف الليل» يحمل بعض الإشارات الطيبة لإعادة الاعتبار إلى التجربة الروائية الحقيقية لهذا الكاتب الذي كان في طريقه إلى خلق بصمته الفريدة في عالم الأدب، قبل أن تأتي ضجة «الآيات» وتحرف مسيرته عن هدفها الأصلي.