خالد صاغيّةعند ترشيح الأكثريّة النيابيّة للرئيس فؤاد السنيورة لولاية ثانية، سادت نكتة سمجة مفادها أنّ المعارضة ستردّ على هذه الخطوة عبر ترشيح وزراء هجوميّين أو مشاكسين. فترشيح السنيورة عُدّ استفزازيّاً، وعلى المعارضة أن تردّ بخطوة استفزازيّة مقابلة. من حسن الحظّ أنّ هذه الفكرة قد طُوِيَتْ سريعاً. فالإقدام عليها يعني، ببساطة، أنّ المعارضة لا تدرك حجم المسؤوليّة الملقاة على عاتقها في الفترة المقبلة. واللجوء إلى وزراء مشاكسين أو هجوميّين يوحي كأنّ المعارضة مستعدّة للتضحية بمصالح الناس التي تؤتمن عليها ضمن الوزارات التي ستتسلّمها، خدمةً للنكايات السياسيّة. والواقع أنّ المعارضة اليوم أمام امتحان صعب لأسباب عديدة:
أوّلاً، إذا ما استثنينا حركة أمل التي كانت شريكاً فاعلاً في الحكم طيلة الحقبة السوريّة، فإنّ فصيلاً أساسيّاً في المعارضة، هو التيّار الوطني الحرّ، كان مقصىً بصورة كاملة عن المشاركة. أمّا حزب اللّه، فقد شارك مباشرة للمرّة الأولى في الحكومة السابقة، إلا أنّ الانسحاب السريع لوزرائه لم يسمح برسم صورة واضحة عن أدائهم في وزاراتهم. إنّها، إذاً، فرصة أمام التيار الوطني الحر وحزب الله للبرهان أنّهما، كما يدّعيان، يقدّمان نموذجاً مختلفاً في الحكم.
ثانياً، بغضّ النظر عن جدوى خطاب محاربة الفساد، فإنّ التيار الوطني الحر جعل من هذا الخطاب أحد العناوين الرئيسة لعمله السياسي. وكان من السهل عليه انتقاد الفساد والفاسدين، ما دام خارج السلطة. ولم تكن تجربة الحكومة الانتقاليّة التي رأسها العماد ميشال عون عام 1988، والظروف التي أحاطت بها، من النوع الذي يسمح بتقويم أداء الجنرال كمشارك في السلطة. اليوم، أصبح هذا الخطاب على المحكّ، وعلى التيّار أن يثبت فعلاً، لا قولاً، لمناصريه قبل خصومه، أنّه بعيد عن شبهة الفساد.
ثالثاً، سبق لحزب اللّه أن أعلن أنّه من الآن فصاعداً سيكون معنيّاً بتفاصيل تفاصيل الحياة السياسيّة اللبنانيّة، وأنّ هذا الموقف لا تراجع عنه. وهذا يعني أنّ نشاط الحزب السياسي لن يقتصر بعد اليوم على المقاومة وحدها. وهذا ليس حقاً للحزب وحسب، بل واجب عليه كحزب منتخب من الشعب اللبناني وممثَّل في البرلمان. لذلك، لا تبدو خطوة التنازل عن مقاعد الحزب الوزارية لحلفائه موفّقة، وخصوصاً أنّ بعض هؤلاء الحلفاء لا يختلفون في أدائهم عن أحزاب السلطة وتيّاراتها.
رابعاً، يخطئ حزب الله إن ظنّ أنّ مصلحته بعد التوافق تقضي بأداء دور «شاهد ما شفش حاجة» في الحكومة، وأن يكتفي باعتراض خفيض الصوت على سياسات اجتماعية واقتصادية جائرة، بحجّة حماية الوحدة الوطنيّة، كأنّ الوحدة الوطنيّة لا تقوم إلا على أكتاف الفقراء والمهمّشين. لقد استخدم بعض المراقبين عبارة «هروب» حزب اللّه من وزارة الطاقة (التي كانت في عهدة الوزير محمّد فنيش في الحكومة السابقة)، نظراً إلى ما تحويه هذه الوزارة من تعقيدات. إذا كان هذا «الهروب» صحيحاً، فهو لا يُسجَّل في مصلحة حزب اللّه، وخصوصاً أنّ شأناً هامّاً كخصخصة الكهرباء مطروح على الطاولة.
تُؤلّف هذه الحكومة فيما نحن على أبواب انتخابات نيابيّة. لا بدّ من الملاحظة أنّ الموالاة والمعارضة تتهافتان بالحماسة نفسها على الحقائب الخدماتيّة، في مشهد ذي دلالة على النظرة إلى معنى الوزارة ومعنى النيابة. صحيح أنّ التغيير بمعناه الواسع لم يكن يوماً على جدول أعمال المعارضة، لكن ثمّة خطوات صغيرة لا بدّ من القيام بها، ولو من باب الإصرار على التمايز.