خالد صاغيّةالمتّصِل: رئيس الحكومة اللبنانيّة فؤاد السنيورة
المتّصَل بها: وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس
موضوع الاتّصال: تحرير مزارع شبعا ما نعرفه هو ما أوحي لنا بأنّه جرى على الجهة الأولى من الاتّصال: فقد جاء في خبر تناقلته الصحف أنّ رئيس الحكومة اللبنانية دعا السيّدة رايس إلى ضرورة تشديد الضغط على إسرائيل لكي تنسحب من مزارع شبعا، ووضعها تحت وصاية الأمم المتحدة بانتظار ترسيم الحدود مع سوريا.
أمّا على الجهة الثانية من الاتّصال، فلا نعرف دقّة ما جرى. لكنّ الأكيد أنّ الإجابة قد تراوحت بين «كبِّر عقلك يا فؤاد» و«La 3iounak».
لا. إنّها مزحة. لم تجب كوندوليزا رايس «لعيونك». لكنّ الغريب هو كيف تتصرّف بعض الدمى الأميركيّة المتحرّكة في المنطقة. تظنّ أنّ ابتسامةً أو عناقاً أو تربيتَ كتف تعني حقاً تعبيراً عن صداقة، أو عن علاقة من الندّ للندّ.
ليس رئيس حكومتنا وحيداً في السقوط ضحيّة تخيّلات كهذه. محمود عباس يبني استراتيجيّة كاملة على قدرته على إقناع الإدارة الأميركيّة بالوقوف إلى جانبه ضدّ المصالح الإسرائيليّة. قد يكون حامد قرضاي الواقعيّ الوحيد في شلّة الأُنس هذه. فقد أدرك باكراً، وكان واضحاً في التعبير عن ذلك، أنّه لا مشروع لديه، وأنّه يقود جهوداً غربيّة لتغيير الوضع في أفغانستان. وفي أيّ لحظة تخبو فيها الجهود الأميركيّة تحديداً في أفغانستان، ينتفي أيّ معنى لوجود قرضاي على رأس السلطة.
لا يتّسم السنيورة بواقعيّة قرضاي. في السابع من أيّار، تُركت قوى 14 آذار على قارعة الطريق. فرنسا تفكّ طوق العزلة عن سوريا. جورج بوش يستعدّ لمغادرة البيت الأبيض، وسط سخط شعبيّ من سياساته في الشرق الأوسط، وفؤاد السنيورة يعود إلى رئاسة الحكومة اللبنانية.
لقد ذهب السنيورة ضحيّة خطابه حول بناء الدولة. فالواقع أنّ قيام الدول الحديثة، وابتكار مؤشّرات موحّدة لقياس الظواهر الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية، ساهمت في ليّ عنق الواقع حتّى يبدو متكسّراً، تماماً كما تبدو الأجسام الصلبة حين يدخل جزء منها تحت الماء. يقود ما يسمّى علم الاقتصاد التأسيس لهذه الخرافات الجامعة، إذ يتعامل مع الدول باعتبارها آلات متشابهة وُضعت بالصدفة في أماكن جغرافيّة مختلفة. هكذا صرنا نتحدّث عن رئاسة حكومة أو معدّلات نموّ في لبنان كما في البرازيل وبريطانيا، ونقيم مقارنات بين هذه الأرقام، وكأنّ الاختلافات في الحجم وعدد السكان والتاريخ والجغرافيا والإمكانات غير ذات أهميّة. حين يتحدّث السنيورة أو ربيبه في وزارة المال عن جذب الاستثمارات وتحفيز النموّ، يكون سنيورةٌ آخر في مكان آخر من هذا العالم يردّد الكلام نفسه المنتَج داخل مراكز الأبحاث نفسها. باتت اللغة واحدة والهدف واحداً. المعضلة هي أنّ ثمّة من يتكلّم هذه اللغة براحة، وثمّة من يلهث وراءها دون جدوى لأنّها لغة لا تتناسب ومجتمعه وإمكاناته.
لا. إنّها مزحة. لم تجب كوندوليزا رايس «لعيونك». لا بدّ أنّها أجابته: «اسمع يا فؤاد. أقدّر وضعك، وحاجتك السياسيّة لاتّصال كهذا، ولتصوير نفسك حريصاً على مزارع شبعا. لكنّك لا تنتظر منّي جواباً جدّياً. Do You؟».
لم تجب كوندوليزا رايس «لعيونك». وربّما لم تكن بحاجة للكلام. اكتفت برفع يدها، حتّى تتحرّك الخيوط بين أيديها، فتقفز بعض الدمى، ويصيح بعضها الآخر، ويلتزم بعض ثالث الصمت.
***
المتّصِل: رئيس الحكومة اللبنانيّة فؤاد السنيورة
المتّصَل بها: وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس
على الجهة الأميركيّة من الاتّصال، سُمع صوت يقول: أعطوني محمّد شطح للتفاهم معه.