خالد صاغيّةالرئيس السوري بشّار الأسد مدرج على لائحة المدعوّين إلى الاحتفالات الفرنسيّة بمناسبة العيد الوطني في باريس في 13 تمّوز. رئيس الحكومة الفرنسي فرانسوا فيون يقول: سوريا نفّذت تعهّداتها في النزاع اللبناني بسماحها بانتخاب رئيس جديد. المستشار الدبلوماسي لنيكولا ساركوزي، جان دافيد ليفيت، والأمين العام لقصر الإليزيه كلود غيان التقيا في دمشق الرئيس السوري ووزير خارجيّته وليد المعلّم، وأجريا محادثات وُصِفت بأنّها «مفيدة وبنّاءة».
ليس سرّاً أنّ الحصار الفرنسي على سوريا لم يبدأ مع مشكلة الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة. فحين جرى استخدام لبنان ساحة للضغط على سوريا، لم يكن انتخاب رئيس جديد مطروحاً بعد. والواقع أنّ الملف اللبناني ــ السوري مثّل البوّابة التي أعاد منها الرئيس السابق جاك شيراك وصل ما انقطع مع الولايات المتّحدة الأميركيّة إثر غزو العراق. بعد غياب قسري عن قضايا الشرق الأوسط، حكّ المستعمر السابق رأسه، فلمعت لديه فكرة: استخدام نفوذه ومعرفته بمستعمرتين سابقتين، سوريا ولبنان، لخدمة مصالح الولايات المتّحدة الأميركيّة الغارقة في المستنقع العراقي.
صدر القرار 1559. بدا أنّ الأميركيين مستعدّون لدفع الفرنسيّين إلى الواجهة، وإعطائهم حصّة في شرق أوسطهم الجديد، ما دامت المحصّلة: ثورة «غوتشي» يتفرّج عليها الجمهور الغربي، وهو يأكل الشيبس ويشرب البيرة، مطمئنّاً إلى أنّ مشروع جورج بوش في نشر الحريّة يسير بخطى ثابتة في الشرق الأوسط.
ولأنّ الشاشات غالباً ما تخدع المشاهد، بالغت فرنسا في تأييد فريق من اللبنانيين ضدّ آخر، وفي إحكام الضغط على سوريا من خلال لبنان، وفي إطلاقها مواقف «غير مشرّفة» خلال حرب تمّوز.
جاءت نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان مخيّبة لآمال الأميركيّين. وفهموا أنّ مضاعفات تلك الحرب تحتّم عليهم العودة إلى زمام القيادة، للإمساك مباشرة بدفّة السفينة التي كادت تغيّر مسارها.
حاول الفرنسيّون استخدام مأزق الانتخابات الرئاسية اللبنانية للعودة إلى الواجهة. خاضوا مفاوضات على جبهتين: جبهة فولكلوريّة قادها وزير الخارجيّة برنار كوشنير، وجبهة جدّية قادها كلود غيان. وفيما انتهت مساعي الأخير بالفشل، بعدما رفض النظام السوري إغراءات رمزيّة لا مجال لصرفها عمليّاً، توقّفت جولات كوشنير البهلوانيّة إثر اتّصال تأنيب تلقّاه من السيّدة كوندوليزا رايس. فكما يبدو، لم يفهم كوشنير حدود مهمّته: بإمكانه أن يخاطب اللبنانيين كمستعمِر سابق، وأن يعطيهم دروساً في الأدب والأخلاق، لكن من ضمن الاستراتيجيّة الأميركيّة ومصالح حلفائها.
رايس نفسها أبدت حذرها من الخطوة الفرنسيّة تجاه سوريا. فأعربت عن أملها في أن تنقل باريس «الرسالة الصحيحة» إلى دمشق. وذكّرت أنّ المشكلة تتجاوز الانتخابات الرئاسية في لبنان، داعيةً سوريا لـ«القيام بواجباتها بموجب قراري مجلس الأمن 1559 و1701 اللذين يدعوانها إلى عدم التدخّل في الشؤون اللبنانية، وترسيم حدودها مع لبنان، وتعيين سفير فيه».
لكنّ حذر رايس لم يتحوّل اعتراضاً. فنحن في مرحلة ما بعد 7 أيّار الذي حرّك المياه اللبنانية الراكدة. هكذا اختفت لغة التهديد تجاه سوريا إثر لقاء الرئيسين بوش وساركوزي، إذ طالب الرئيسان بتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان «بنيّة طيّبة». طبعاً، كرّر بوش مطالبه التقليديّة من سوريا، لكنّه فعل ذلك كمن يبارك زيارة ساركوزي لها.
مرّة أخرى، يحاول رئيس فرنسي العودة إلى واجهة الأحداث في الشرق الأوسط، باحثاً عن دور قياديّ، من البوّابة نفسها، البوابة اللبنانيّة ــ السوريّة. ومرّة أخرى، يسمح الأميركيّون بذلك حذِرين. في المرّة الأولى، دفع شيراك بلادنا إلى حافة حرب أهليّة. في المرّة الثانية، يلعب ساركوزي في الوقت الضائع... علّه يسجّل هدفاً.