فجع أهل المسرح العربي وروّاده برحيل وجهين من رموز نهضته وعصره الذهبي، انتزعهما المرض العضال نفسه خلال 24 ساعة: المخرج والممثل المصري الرائد سعد أردش، والممثّلة السوريّة مها صالح. انطفأت مها صالح (1945) بعد صراع دام أشهراً مع الداء الخبيث، وشُيّع جثمانها أمس بمشاركة حشدٍ من الفنانين السوريين، ودُفنت في مقبرة السيدة زينب في دمشق إلى جوار شقيقتها الشاعرة سنية صالح. شكّلت مها أحد أبرز الوجوه المسرحية السورية طوال العقود الثلاثة الماضية، وأسهمت مع رفيق دربها المخرج أسعد فضة في معظم عروض المسرح القومي خلال السبعينيات والثمانينيات، قبل أن تتجه إلى العمل مع الفرق المسرحية المستقلة. هكذا انضمت إلى فرقة «الرصيف» التي أسّسها حكيم مرزوقي ورولا فتال، وعملت معهما في مونودراما «عيشة»، ثم في مسرحية «ذاكرة الرماد». ثم أسست فرقتها الخاصة «موّال» لتنشط من خلالها ممثلة ومخرجة في أعمال أبرزها «الأيام الحلوة» (صموئيل بيكيت) و«خطبة لاذعة ضد رجل جالس» (اقتباس عن ماركيز)... وكانت إطلالتها الأخيرة في مونودراما «شجرة الدر» عن نص للتونسي عز الدين المدني (إخراج شريف الخزندار) التي شاركت في «مهرجان المتخيّل» في باريس (2005). لقد أخلصت مها صالح للمسرح ولم تنخرط في الدراما التلفزيونية التي استقطبت معظم ممثّلي المسرح، وسرقها الموت قبل أن تتمكن من إنجاز مشروعها الأخير: مسرحة قصائد لأدونيس بمشاركة شقيقتها خالدة سعيد.وفي القاهرة، ما زال محبّو سعد أردش (1924) وزملاؤه وجمهوره، ينتظرون وصول جثمانه من أميركا، حيث وافته المنية أول من أمس خلال رحلة علاج. وقد أعلن نقيب الممثّلين أشرف زكي عن تكريم الراحل خلال «المهرجان القومي للمسرح» الذي يبدأ في أول تموز (يوليو). وكان أردش قد بدأ العمل على مسرحية «ألف ليلة وليلتان» لتقديمها على «المسرح القومي» في الموسم الشتوي المقبل. كان الراحل من مؤسسي فرقة «المسرح الحر» التي تزامن ظهورها مع ثورة يوليو 1952، فكانت إحدى القنوات الرئيسة المعبّرة عن الثورة، وحققت انتشاراً جماهيرياً.
درس الإخراج المسرحي في إيطاليا، وعاد عام 1961 ليؤسس فرقة رائدة هي «مسرح الجيب» التي قدّمت الاتجاهات التجريبية المسرحية المعاصرة. قدّم أردش أكثر من 50 عملاً مسرحياً من التراثين العربي والعالمي في المجالين الدرامي والغنائي للمسرح المصري، منها: «في سبيل الحرية» القصة التي كتبها الرئيس جمال عبد الناصر، «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي، «لعبة النهاية» لصموئيل بيكيت وغيرها. وشارك في أدوار مميزة في السينما، أبرز محطاتها: «قنديل أم هاشم» و«شباب امرأة» و«الأسطى حسن» و«الاختيار». كما أصدر مؤلّفات عدّة، مثل «المخرج في المسرح المعاصر» الذي يعد من أبرز المراجع العربيّة في الإخراج المسرحي.
(الأخبار)