strong>ياسين عدنان لم تكن وزارة الثقافة المغربية تتوقع أنَّ نشرها رواية «قبل أن تغيب الشمس» وهي سيرة السجين عبد المجيد بنسودة، واستضافته في إحدى ندوات معرض الدار البيضاء للكتاب، ستثير كل هذا الجدل. عديدون ثمَّنوا المبادرة. فالأريحية التي أبدتها الوزارة عندما تكفلت طبع هذه السيرة كانت لافتة. كما أن الليونة التي أبدتها وزارة العدل وهي ترخص لهذا السجين بحضور المعرض تعكس تصوراً متقدماً للانفتاح الذي يجب أن تتحلى به المؤسسة القضائية إذا أرادت فعلاً تهيئة نزلائها للاندماج في المجتمع. غير أنّ ردود الفعل على هذه المبادرة لم تكن كلها إيجابية.
لكن، لنفتح الكتاب أولاً ونتصفح هذه السيرة الاستثنائية. سيُفاجأ قارئ العمل بأنّ الراوي يلجأ منذ الفصل الأول إلى عالم التوبة مستلهماً المواقف التي قد تخفّف شعوره العميق بالذنب. وهو ركز على وصف مدة الاعتقال من دون أن يذكر ــ إلا بشكل عابر ــ الجريمة التي قادته إلى السجن... في سيرة مكتظة بالمواعظ والأقوال المأثورة والمقتطفات الشعرية. ويبدو أن بنسودة أجاد استغلال فسحة الحرية التي أتاحتها له المشاركة في معرض الكتاب، إذ حرص في حديثه إلى الصحافة على تأكيد موهبته الأدبية: «لدي 17 ديواناً شعرياً لم تنشر ومسرحيات عدة. أحاول قدر الإمكان الاندماج بالكتابة، وأحرص على إنتاج أفكار صالحة للمجتمع». أما عن مساره السجني، فقال: «أمضيتُ 18 سنة في السجن. كنت محكوماً بالإعدام. فتحوّل إلى السجن المؤبد، ثم السجن 30 سنة. وأتمنى أن تُؤخذ وضعيتي في الاعتبار. فإذا كانت سياسة الدولة هي الإصلاح وإعادة إدماج السجناء، فقد نلت نصيبي من الإصلاح. أبلغ ستين عاماً الآن. وإذا شملني العفو الآن مثلاً فكم سأعيش، مع أنّ الأعمار بيد الله»!
طبعاً، كان التعاطف مع السجين المبدع شاملاً، والتأثر سيد اللقاء. لولا أن أصواتاً أخرى بدأت ترتفع، لها روايتها الخاصة. فعائلة الفقيد محمد أوكريد لم تستسغ أن يصف عبد المجيد بنسودة جريمته بـ «الخطأ البسيط» من دون حتى أن يعتذر. عبد الإله بوكريد أضاء في الصحافة المغربية على تفاصيل الجريمة التي تفادتها «قبل أن تغيب الشمس». فالسجين بنسودة تلقى حكماً بالإعدام إثر إدانته بتهمة قتل صديقه وشريكه محمد أوكريد مع سائقه. وهو لجأ إلى دفن الجثتين بعدما لفّهما في كيس ووضع عليهما الملح وحبوب الكافور. وظل يُموِّه على العائلة موهماً أنّه يشاركها البحث عن الضحيّتين حتى اكتُشف أمره. وتخشى أسرتا الضحيتين أن مشاركة بنسودة في معرض الكتاب تعدّ تمهيداً لإطلاق سراحه، وخصوصاً أنّه أفاد مرتين من العفو الملكي، إذ كان محكوماً بالإعدام قبل أن تُحوَّل هذه العقوبة إلى السجن المؤبد، ثم المحدد.
في أحد فصول «قبل أن تغيب الشمس» نقرأ: «وقعتُ في الذنب وتبتُ والحمد لله. فالمصيبة مُقدَّرة وقد وقعت. والتوبة مُيسرة فلا لوم. ألم يقتل «وحشي» حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ثم تاب وحسن إسلامه وقبله الرسول الكريم واستعمل الرمح ذاته في نصرة الإسلام؟ أليست التوبة تجُبُّ ما قبلها؟»... هذا كلام الراوي لكن ما رأي شخوص الواقع أبطالاً وضحايا؟