خيّمت، مساء الأربعاء، على قاعة «المسرح البلدي» في العاصمة التونسيّة، حالة ذهول وانفعال عاشها جمهور محتشد يضم نخبة من أهل الفنّ والثقافة والاعلام، في بلد الطاهر حداد وأبو القاسم الشابي، إضافة إلى هواة السينما طبعاً. فقد اختارت سهام بلخوجة مديرة «اللقاءات الدولية للفيلم الوثائقي»، أن تفتتح الدورة الثالثة للمهرجان بفيلم استثنائي، هو «بيروت، صيف ٢٠٠٦ ـ كلمات ما بعد الحرب». الشريط لم يحققه مخرج عادي، بل موسيقي عالمي هو أنور براهم الذي يخوض هنا تجربته السينمائيّة الأولى. يغوص عازف العود، بمهارة ورهافة، في الجرح اللبناني بعد العدوان الاسرائيلي الأخير بعد أن هزّته صور العنف التي شاهدها في بيته في قرطاج، خلال العدوان. هكذا قفز في أوّل طائرة بعد وقف العدوان، وجاء ليلتقي بعض أصدقائه ومعارفه من كتاب واعلاميين ومبدعين، ويلتقط شهاداتهم وردود فعلهم عن هول ما جرى: إلياس خوري وعباس بيضون وهانية مروّة وربيع مروّة وبرنار خوري وريما خشيش والزميل بيار أبي صعب... إضافة إلى الراحل جوزف سماحة مؤسس «الأخبار» الذي أهداه أنور الفيلم...غرقت قاعة «المسرح البلدي» في حالة اصغاء عميق، طوال الساعة التي استغرقها العرض التونسي الأوّل للفيلم. وراح يستمع الى شهادات متناقضة ومتكاملة في آن معاً، لأفراد يعرفهم ويحبّهم في أغلب الحالات، حاولوا أن يعبّروا بصدق عن نظرتهم لما جرى ذلك الصيف في لبنان. تلك الليلة بيروت كانت في تونس. وصفق الجمهور لأنور ابراهم الذي جاء شاهداً فإذا به ينخرط في الدوامة اللبنانيّة، ويحافظ في الوقت نفسه على حياد ايجابي، محاولاً أن ينقل وجع اصدقائه وغضبهم وحيرتهم وتساؤلاتهم، بأكبر قدر من الأمانة.