ساندي مارونإنّها الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر الجمعة، موعد اللقاء. وصل شباب على الموعد وجلسوا منتظرين المتأخرين، بعضهم يتأمّل الرسوم التي ما لبثت خربشات غير منجزة. وآخرون يفكّرون: هل نعيد رسم ذلك الجزء من السور بعدما لوّنه الأصدقاء بالأسود مدوّنين كلمة «ثورة»؟ فرسوم الـGraffiti المقرّر إنجازها على ذلك الحائط هي عن السلام والتلاقي والتقارب، ما يناقض «الثورة».
منذ شهر تقريباً، يتجمّع شباب من مناطق لبنانية مختلفة لإنجاز رسوم Graffiti على أحد أسوار منطقة الحازمية ـــــ الفياضية، وكانوا قد نفّذوا رسوماً أخرى في الكرنتينا، وعند جسر الباشا ومناطق عدّة... بلا شكّ يريد «شباب الـ Graffiti» الـ13 إضفاء الحركة والألوان على أسوار إسمنتية على الطرقات اللبنانية العامّة عبر ملئها بلوحات «غرافيتية»، بعيدة كلّ البعد عن السياسة وتشعّباتها. هذا طبعاً إلى جانب التعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم وعما يدور في مخيّلاتهم. بعض شبان هذه المجموعة تعرّفوا إلى فنّ الغرافيتي عبر مجموعة في موقع «فايس بوك». في صندوق سيارة هاغوب تُحفظ موادّ الدهان والألوان وغير ذلك من «عدة الشغل». وعندما يبدأ الرسم تُركن هذه المواد على الأرض العشبية. إلى أقصى اليسار من اللوحة التي يجري رسمها حالياً، يرسم جو شخصية كرتونية من ابتكاره. عبارة “People Come together” تمتدّ بألوانها الزهريّ والأصفر والأخضر على مساحة تتجاوز نصف عرض الحائط. روما، الشاب الروسي العشريني، خبير هو أيضاً في الغرافيتي. يلوّن أحرف العبارات بالـSpray، زياد يدهن وسط الحائط باللون الأبيض لمحو عبارة «Revolt» . هاغوب، هنا وهناك. يعمل، يشاهد، يتسلّم كما روما المهمّات التلوينية الصعبة. بيترا، الفتاة الوحيدة بين الغرافيتيين، تلوّن بيديها عبارة «لأرزك منتوحّد» مع أحد الأصدقاء. تيم، أميركي في بيروت، حاضر أيضاً... الحركة لا تهدأ طيلة النهار فالبرنامج يقضي بإنهاء رسم الأرزة الخضراء، ورمز جمعية «لبنان الموحّد» قبل حلول الظلام. هاغوب هو المبادر لإنجاز الـGraffiti منذ أكثر من عام مع أحد أصدقائه. بدأت القصّة في الكرنتينا، وكانا وسيلة للتسلية ولتأكيد إمكان وجود رسوم غرافيتية غير سياسية، في بلد تأخذ رسوم الحائط فيه طابع التعبير السياسي فقط: كرسم ورموز الأحزاب وأسمائها...
على أثر مبادرة هاغوب، تألفت مجموعات غرافيتية عدّة، والـ Graffiti تعبير حرّ غالباً ما كان خارجاً عن إطار القانون في الدول الأوروبية والأميركية.
في الكرنتينا محطّة الغرافيتي الأولى، بدأ الشباب الرسم من دون الحصول على إذن من البلدية، إلّا أنّ الأخيرة لم تعترض، إذ أحبّت العمل المنجز. كما رأى مجلسها أنّ الشبان يقومون بعملية تنظيف للأسوار العامّة.
واليوم، يحرص الشبان على الحصول على إذن من البلديات المعنية قبل البدء بالرسم على الجدران. ويلفت الشبان إلى أن كلفة هذا النشاط مرتفعة، لذلك تمّ اللجوء إلى جمعية «لبنان الموحّد» لتمويل الرسوم عبر دفع ثمن الألوان ومواد الدهان. فيما كانت المجموعة سابقاً تدفع كلفة المواد بنفسها «من جيبتها» من دون اللجوء إلى مساعدة أحد.