strong>رنا حايك«هذه الرسالة موجّهة فقط إلى الأشخاص المبدعين والكوول. فإذا لم تكن منهم، لا تتابع القراءة..»
انتشرت رسائل «الحشد المندفع»، FLASH MOB انتشار النار في الهشيم خلال الأسبوع الماضي على الشبكة الإلكترونية تمهيداً للحدث الذي شهده مجمّع «سيتي مول» في بيروت أمس. إذ لبّى الدعوة حوالى مئتي شاب تسلّموا في نقطة اللقاء في مارينا ضبية، قبل الحدث بساعتين، رسائل مطبوعة تحوي معلومات عن مكان التجمع. بدأ شباب تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين باتخاذ مواقعهم في المكان المحدد منذ الساعة الرابعة من بعد الظهر. وعند الخامسة، أعلن بوق مدوّ عن توقف الزمان والمكان «فرييز» Freez: زوجان أراداها رسالة حب وسلام فأوقفا الزمن عند قبلة طويلة، إحداهن أوقفته عند نظرة ذهول ووقفة استهجان، وأخرى وهي تطبق يدها على فمها وكأنها ممنوعة من الكلام، بينما أمسك بعض الأصدقاء بأيادي بعضهم البعض، وجسّد بعضهم حركة يومية كالأكل أو التحدث في الهاتف النقّال. التزم الجميع ونفّذوا الحدث بجدية، فكانت النتيجة تجمهر الكثيرين من المتسوّقين حولهم واندهاش جميع المارّين من قربهم بالصدفة، وأسئلتهم التي تعاقبت في الهواء: «شو في؟ شو مهضومين. بس شو عم يعملوا؟».
أما بعد أن انتهت الدقائق الخمس وانفضّ الجمع، «تصيّد» الجمع أحد المشاركين ليسألوه فيم كان يشارك؟ فما كان منه إلا أن احترم تعليمات منظّمي الحدث وأجابهم باستهجان وكأنه لا يعرف عمّا يسألون!
لأول مرة في لبنان، يتم تنظيم حدث من هذا النوع. المنظّم، الذي يلقّب نفسه بـ«أخوت شانيه» يرفض التصريح عن اسمه الحقيقي خلال مكالمة هاتفية مع جريدة «الأخبار»، ويقول إنه استوحى الفكرة من إحدى فعاليات حركة «تحسّن في كل مكان»، التي تجمّد خلالها أكثر من مئتي شخص في محطة القطار المركزية في نيويورك. اختار «أخوت شانيه» فكرة «التجمّد» لتمرير رسالة رغم أن هذا النوع من التظاهرات لا يرتبط عموماً برسالة محددة.
إلا أننا في لبنان، وفي الثالث عشر من نيسان، هنا تفرض الرسالة نفسها، وتفرضها كوقفة «تجمّد» الزمن عند لحظة تأمل، للبحث في سؤال بسيط وبديهي: «ماذا نفعل؟ ماذا نريد بالضبط كأفراد عموماً وكلبنانيين بالأخص؟».
تنطوي آلية الدعوة لهذا الحدث على قدر كبير من التجريبية حسب ما شرح «أخوت شانيه» إذ إنه حاول أن يختبر قدرة العالم الافتراضي على بث رسالة تحافظ على سرية هوية صاحبها وتعمل على حشد أشخاص لا يعرف بعضهم بعضاً، لكن تجمعهم قضية واحدة. الهدف الأول من الحدث هو «أن نتسلى. ليس أن ننفض عنا ذكرى الحرب، لكن أن نتذكرها ونحن خارجها ونبحث عن مستقبل جديد. أن نعطي الإعلام فرصة الالتفات إلى شباب يرغبون حقاً بالتغيير».
سبق الحدث جو من الغموض والسرية يتناسبان مع طبيعته المفاجئة ومع تراثه العالمي. فهذا النوع من التظاهرات دخيل على ثقافة الشارع اللبناني، لكن له امتداداته الثقافية وتعريفه الموحّد عالمياً: «هي تظاهرات تقوم بها مجموعة واسعة من الناس يتجمعون فجأة في مكان عام، يؤدّون حركة غير اعتيادية لوقت وجيز، ثم يتفرّقون بسرعة».
بدأ الصحافي بيل واسيك في مجلة «هاربيرز» هذا التقليد عام 2003 في شوارع مانهاتن، لكنه لم يكشف عن هويته كمعدّ له سوى عام 2006 في مقال كتبه للمجلة التي يعمل فيها وتضمن مفهومه عن جماعة الحشد المندفع: «هي تجربة اجتماعية هدفها إشاعة جو من المرح وإبراز مناخ ثقافي من الانسجام بين أفراد يريدون أن يكونوا جزءاً من الحدث الكبير المقبل أياً كان».
بهذا المعنى، بدأت تظاهرات الحشد المندفع بالانتشار كنوع من «الأداء الفني» Art performance
ورغم أنها تظاهرات غير سياسية، إلا أنها تشارك ثقافة التظاهرات السياسية ببعض السمات السطحية، وقد ربطتها الأدبيات منذ عام 1973 بثقافة الحشود وعدوى التظاهر التي سهّلها التطور التكنولوجي وسرعة انتقال المعلومة بالصوت والصورة. فقد ظهر مصطلح «الحشد المندفع» للمرة الأولى في رواية من فئة الخيال العلمي للكاتب لاري نيفن، تدور حول النتائج الاجتماعية لاختراع آلة تسافر افتراضياً بالإنسان عبر الزمان والمكان، قد تكون هذه الآلة هي التلفزيون بكل بساطة، تلك الشاشة التي تنقل إشكالاً بسيطاً على الهواء لتصيب العدوى جميع المشاهدين فينطلقون إلى الشارع بحركة تلقائية.
ويكاد هذا المصطلح يعبّر عن أحد أشكال «الحشد الذكي» الذي تناوله الكاتب هوارد رينغولد في كتابه «الحشد الذكي: الثورة الاجتماعية المقبلة» عام 2002.
تعبّر هذه المصطلحات بمجملها عن مرحلة التطور التكنولوجي، هي ليست بهذا المعنى سوى تعبير اجتماعي عنها. فـ«الحشد الذكي» هو منظمة اجتماعية كوّنت نفسها من خلال التصرف الواعي والتأمل التكنولوجي الذكي. هي تدل على التطور في تكنولوجيا الاتصالات، الذي من شأنه منح السلطة للناس وتدعيم قوتهم حسب تعريف رينغولد. هي حركات تلقائية ترتكز نقطة قوتها على الاستخدام الذكي والواعي للتكنولوجيا التي تؤمن لهم التواصل والتنسيق في ما بينهم. ويحذر الكاتب ذاته من استخدام التكنولوجيا لأهداف مسيئة من قبل هذه المجموعات، إذ قد يؤدي ذلك إلى خلق مجتمع ديكتاتوري يشبه ذلك الذي يتناوله الكاتب الأميركي جورج أورويل في روايته «1984».