Strong>طونيا عكر«يكوّن كلّ ثنائي خليّة أساسية من خلايا المجتمع، فالحوار والتفاهم بين طرفيه يؤثران على المجتمع ككل. كيف يمكن هذا البلد أن يتخطى مشاكله الكبرى، إذا كان يستحيل على ثنائي بسيط قبول الحوار؟». هكذا يختصر شريف عبد النور فكرته من مسرحية «العلاقة المفتوحة» (عن داريو فو) التي بدأ عرضها أمس على خشبة «مسرح بطحيش» في الجامعة الأميركية في بيروت. وعبد النور الذي عمل خلال عدوان تموز 2006 مع النازحين على ما يعرف تحديداً بالعلاج المسرحي، يقدّم هنا كوميديا اجتماعية من تمثيل تالا عرقجي ونادين ادهمي وعلي العاقل. ويرى أن التجربة الجديدة محاولة لإثارة التساؤلات عند المشاهد. قبل أن يضيف مستدركاً: «عملي بعيد كل البعد عن العظة الكلاسكية».
تدرّب الممثلون طوال أربعة أشهر، وخاضوا في تمارين جسدية وأدائيّة مختلفة، حتى بات النص المسرحي بحد ذاته تفصيلاً. علماً أن المخرج لم يقدم نص داريو فو بحرفيّته، بل استوحى عناصر أساسيّة من عالم هذا الكاتب والفنان الإيطالي اليساري الذي حاز نوبل الآداب عام 1997. يقول عبد النور: «اقتبست النص، وعملت على تحويله إلى حوار مصغر». وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفنان الذي يقف على حدة فوق الخريطة المسرحيّة اللبنانيّة، مشغول أساساً بإزالة «الجدار الرابع» الذي يفصل الخشبة عن الجمهور، بحيث يدخل الممثلون والمشاهدون في حالة تماسّ وتماذج... وهذه الأمثولة البريختيّة (نسبة إلى المعلّم الألماني برتولت بريخت)، تعدّ ميّزة أساسيّة في مشروعه المشهدي، على خلفيّة تحريض المشاهد ودفعه إلى الوعي السياسي والإنساني.
يعمد عبد النور إلى إبراز ازدواجية المرأة، من خلال شخصيتين إحداهما مترددة وأخرى عازمة ـ خلافاً للنص الأصلي ـ محمّلاً الرجل أكثر من المرأة، مسؤوليّة «العقدة» التي تعيق العلاقة المفتوحة. وتبرز التقنية الجسدية أكثر لدى قيام الممثلين برقصة مثيرة ـ كئيبة يشير عبد النور إلى أنّها ارتجالية، وتتغير بحسب مزاجيّة الممثلين والجمهور مجتمعين في المعادلة المشهديّة. ويشدد عبد النور على أنّه اعتمد تقنيات التغريب البريختي، لأنّه يريد للمشاهد أن يكون جزءاً من العرض، كما أنّه يقحمه في اللعبة إلى حد الشعور بالإرهاق.
«العلاقة المفتوحة» تطرح بلا شك تساؤلات عدة عن العلاقات بين الرجل والمرأة، وتسلّط الضوء على شخصية الرجل الشرقي الضعيف والمزيف. لكنّ ميزتها الأساسيّة في مواجهة المحظورات والمحرمات والتجرّؤ عليها، من منظار تحرري وتقدّمي... أما المفاجأة الأخرى التي طالعنا بها، فهي كلمته في افتتاح العرض التي أرادها سياسية بامتياز. إذ نعى العرب قائلاً: «اليوم أنعى الضمير العربي. يا عالم، اليوم أنعى الضمير العالمي وحقوق الإنسان والأمم المتحدة. إلى الحكّام العرب، أستغرب الصمت الرهيب. أُعلِن عن محرقة في غزّة ولم يتكلّم أحد». وذهب أبعد من ذلكً «بابل وسقطت. استعمار فعاد، وأقبح من الماضي. وها هي غزة تنزف. ماذا تنتظرون يا عرب؟ الدبابات على الحدود والطيران العدواني يسبح في سمائنا، والآن البوارج تغزو بحورنا. ماذا تنتظرون يا عرب؟». واختتم عبد النور طالباً الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء غزّة وتضامناً مع أبطالها.