strong>بيسان طيأن نطلب العلم من الصين يعني أن ندخل عالماً جديداً لامتناهياً من الإنتاج الثقافي والرموز وأساليب التعبير والتفكير والأداء، وبدل أن نذهب إلى الصين ستأتي هي إلينا.
أكثر من خمسين فناناً سيحلّون في لبنان من 5 إلى 11 أيار المقبل، في إطار مهرجان ينظمه معهد كونفوشيوس في الجامعة اليسوعية ومسرح مونو وجامعة شن يونغ، وسيتنوع البرنامج بين عروض موسيقية ورقص وغناء وورش تدريب على الكتابة الفنية لحروف صينية... وأوبرا بكين. مساء أمس، استضاف مسرح مونو جيانغ، المديرة المعاونة لمعهد الفنون الدرامية في الجامعة الصينية، لتعرّف محبّي المسرح بأوبرا بكين وتقاليدها، وكانت كلمة ترحيبية لمدير المسرح بول مطر الذي تحدث أيضاً عن المهرجان.
مع جيانغ كانت جولة في تاريخ أوبرا بكين، فلفتت إلى أن المسرح الصيني من أقدم المسارح في العالم، وأنه وحده استمر، فيما لم يبق من المسرح اليوناني مثلاً سوى بعض النصوص. تحدثت جيانغ بالتفصيل عن مسرح بعيد تماماً في تقاليده ولغته عما نشاهده في الوطن العربي، أو بشكل أصح عن المسرح الغربي الذي نعرفه. أوبرا بكين ولدت في غرب الصين، أي إن تسميتها العربية والغربية قد تضلل القارئ، وهي تعكس بوضوح الأفكار الكونفوشيوسية في الأخلاق والسلوك.
خشبة المسرح تنقل حكايات تحدث على الأرض وفي أعماق البحار وفي السماء، والديكور كما أداء الممثل، وكما الحبكة الدرامية نفسها، تعتمد كلها أسلوب الأسلبة (stylise).
رغم أن «أوبرا بكين» تنتمي إلى التقاليد المسرحية القديمة، لكن جيانغ أكدت أنها أيضاً مسرح حديث، يرتكز على الهارموني بين الحركة والأداء الكلامي والغناء، ومعظم الشخصيات تؤدي مقاطع غنائية في كل قصة، وقصص أوبرا بكين المشهورة عددها 200، الأدوار النسائية والرجالية فيها محددة، وأزياء كل شخصية ثابتة لا تتغير حسب الفصول، أما الماكياج فله مهمتان: تجميل الممثل أو الرسم على الوجه لتُمحى قسمات الممثل ويصير الشخصية التي يؤديها.
الآلات الموسيقية تلعب أدواراً مهمة في تحديد لغة العرض، والقصة التي تُروى، الدف والطنبر والكمان وغيرها من الآلات، تحدد الفصول أحياناً أو اتجاه الأحداث أحياناً أخرى.
جيانغ تحدثت كثيراً في مسرح مونو، وأرفقت الكلام بتسجيلات من عروض، نقلت الحاضرين إلى عالم «أوبرا بكين» حتى كادوا ينسون أنهم على مقاعد مسرح بيروتي، كل شيء أمامهم كان ساحراً، ويمكن التآلف معه بسرعة، وإن كان غريباً عما اعتدنا رؤيته وقراءته. لذا وُزّع على الحضور كتاب يروي قصصاً من أوبرا بكين كـ«السيف السماوي» و «الرأس المزيف وموت تانغ» و «إلهة نهر لوه».
المهرجان الصيني سيكون بالتأكيد حدثاً ثقافياً من أهم ما تشهده بيروت المنفتحة على كل فنون العالم وإنتاجاته، ويكفي الجمهور المتعطش إلى الغرف من ثراء الشرق أن يتعرف إلى لغات «أوبرا بكين» وأدواتها ليفهم العروض التي تعتمد على الاقتراح (suggestion)، ونعرف مثلاً أن الأسود لون النقاء والأبيض رمز الذكاء والحيل... وأن كرسياً على طاولة يعني قمة الجبل.