خالد صاغيةإنّهم يتمرّنون بنا.
قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، حكّ رؤساء الكتل النيابية وزعماء الطوائف رؤوسهم جيّداً. كان عليهم أن يختاروا لائحة طويلة من الأسماء ليصنعوا من أصحابها نوّاباً. وقد حرصوا على ألا يكون بين هؤلاء النوّاب من يتجرّأ على التطاول على رئيس الكتلة، وإبداء رأي مختلف عنه. فكانت النتيجة المجلس النيابي الحالي بأعضائه الكرام.
تخيّلوا مثلاً أيّ نوع من السياسيّين يجب أن تحوي كتلة «المستقبل»، إذا كان على النائب سعد الدين الحريري أن يبقى صاحب العقل الأرجح و«الكاريزما» الأقوى بين أعضائها.
وتخيّلوا أيّ نوع من السياسيّين يجب أن يحوي التيّار الوطني الحرّ، إذا كانت كلمة الجنرال السريع الانفعال لا يمكن أن يسائلها أحد.
شاءت الظروف ألا يتمكّن مجلس النواب من الانعقاد. غادر النوّاب البرلمان، وسرحوا في البراري وعلى الشاشات. منهم من يتعلّم النطق، ومنهم من يتعلّم المنطق، ومنهم من لا يبغي إلا إرضاء معلّمه، ومنهم من نظر إلى الفراغ من حوله فظنّ نفسه قائداً حكيماً وسياسياً محنّكاً.
ليست هذه الظاهرة جديدة تماماً. غير أنّ السياسة التي باتت تبتلع حياتنا، أوجدت طلباً غير مسبوق على المقابلات والتصاريح واللقاءات الشعبيّة، طلباً من النوع الذي لا يمكن أن يُلبّى من دون القبول بتعميم التفاهة والتسطيح، تعميم يبدو أنّه لا يلقى أيّ مانع، ما دامت الأفراح في ديارنا عامرة.