فرش المشرّعون البيروفيون أوراق الكوكا على المناضد وبدأوا يمضغونها أثناء انعقاد جلسة للكونغرس البيروفي في العاصمة ليما الأسبوع الفائت. هو ليس تقليداً عادياً في الجلسات التشريعية في هذه الدولة، بل كان مجرد تعبير عن رفض البيرو «لكل ما يتعارض مع تقاليدها وثقافتها وتاريخها». فها قد جاء دور بوليفيا والبيرو، بعد كولومبيا وفنزويلا والإكوادور. وتنتظر الدولتان اليوم قراراً من الأمم المتحدة قد يشعل حرباً ويحدث تأثيراً سلبياً في العلاقة بين الدول اللاتينية وهاتين الدولتين والأمم المتحدة بشكل خاص. والقرار المرتقب ليس بشأن سلاح نووي تقوم تلك الدول بتصنيعه أو بسبب تدنّي معدّل الحريات فيها، بل بشأن «النبتة المقدّسة» التي يعتاش منها ملايينالمواطنين في القارة اللاتينية. إنها نبتة الكوكا التي يصنع منها الكوكايين. إذ رفعت أخيراً «اللجنة الدولية لمكافحة المخدرات»، التي من شأنها تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضايا المخدرات في العالم، توصية تطالب فيها كلّاً من بوليفيا والبيرو بتجريم ظاهرة مضغ الكوكا وشرب الشاي المستخرج من النبتة، الأمر الذي أثار غضباً شعبياً عارماً في كلتا الدولتين، لكون «عادة» مضغ «النبتة المقدّسة» (كما يسميها البوليفيون) تُعدّ من التقاليد الخاصة بتلك الشعوب، وتدخل في ثقافتهم الوطنية منذ أكثر من 3 آلاف سنة كما ذكرت مجلة «تايم». «مثلها مثل عادة شرب القهوة في الولايات المتحدة الأميركية». هكذا يعدّ البوليفيون والبيروفيون ظاهرة شرب شاي الكوكا في مجتمعاتهم، التي تدخل ضمن الوصفات الطبية أحياناً لاحتواء النبتة على مكوّنات مفيدة للصحّة، ويستخدمها مواطنو تلك الدول لتساعدهم بيولوجياً على تحمّل تغيّرات الطقس في المرتفعات وسدّ جوعهم في أغلب الأحيان... حتى إنّ البابا يوحنا بولس الثاني شرب كوباً من شاي الكوكا أثناء زيارته لبوليفيا سنة 1988، مشاركة منه في نمط عيش البوليفيين واحتراماً لتقاليدهم.
ويهدد اليوم الشعوب اللاتينية قرار أممي قد يحرمهم من أحد تقاليدهم، ويشلّ أعمالهم، ما سيؤثر على اقتصاد تلك الدول التي تعدّ من أولى منتجي الكوكا في العالم. وذريعة اللجنة الدولية المعلنة «الحدّ من الإدمان على المخدرات». وقد بدأت المعركة الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على زراعة الكوكا في أميركا اللاتينية منذ سنة 1961، حيث أصدرت الأمم المتحدة قراراً يطالب بوقف إنتاج الكوكا خلال عشرين سنة حدّاً أقصى. ثم ما لبثت الولايات المتحدة أن حثّت كولومبيا وفنزويلا على التخلص من هكتارات الأراضي التي تزرع فيها النبتة، وقد أنفقت الإدارة الأميركية أخيراً أكثر من 5 مليارات دولار لمساعدة كولومبيا على التخلص من زراعة الكوكا. وتعتزم تلك الإدارة اليوم، بمساعدة الأمم المتحدة، تطبيق ذلك أيضاً في بوليفيا والبيرو اللتين لم تنفذا بعد مشيئتها في هذا المجال. «هذه الورقة تمثّل أمل شعبنا»، هكذا قال الرئيس البوليفي أيفو موراليس السنة الماضية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، عندما وقف أمام ممثّلي الدول حاملاً ورقة كوكا ومدافعاً عن مصدر رزق شعبه وبلده. ويسعى موراليس اليوم، في سياسته، لاكتشاف فوائد من نبتة الكوكا لاستخدامها في معجون الأسنان والمستحضرات الطبية والشامبو... وذلك لتقوية موقفه في دفاعه عن إنتاج «النبتة المقدّسة».