هل يتحوّل الضغط النفسي (stress) إلى مرض العصر؟ كثرت في الفترة الأخيرة الدراسات عن الضغط، وتعدّدت الكتب والإحصاءات بقدر ما تعدّد «المضغوطون نفسياً». وقد ذكرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أخيراً أنه في فرنسا ازداد اهتمام علماء الاجتماع بهذا الموضوع، وكذلك النقابات، وأخيراً وزير العمل كزافيه برتران الذي جعله «أولوية الصحة العامة»، فأصبح الضغط في العمل الموضوع الأساسي هذه السنة. عالم الاجتماع الفرنسي مارك لوريول صاحب كتاب «Je stresse, donc je suis» يقول إن الضغط لن يصبح مرض العصر، فهو ليس أكثر من «كلمة على الموضة»، وخصوصاً أنه منذ بدأ الإنسان بالعمل، بات يعاني التعب وفقدان الإلهام والقلق لأسباب عديدة، فتتغير التسميات وتبقى العوارض ذاتها. وموضوع الضغط والتعب ليس جديداً، ففي عصر الأنوار، ميّز فلاسفة عدة، وأوّلهم جان جاك روسو، بين «التعب الجيد» و«التعب السيئ». وقد رأى أن التعب الجيد مرتبط بالأنشطة المقامة في الهواء الطلق التي انتشرت بين النبلاء في أوروبا. وكان التعب الجيد يصنف علاجاً ضد السخط والضجر الذي يعانيه الآخرون ممن يعملون في المدن، وهم ضحايا التعب السيئ. وقد راقت تسمية التعب الجيد للناس، فدرج استعمالها وانقضّ عليها علماء القرن التاسع عشر. ويقول لوريول إن هؤلاء أرادوا تحديد معايير موضوعية لتشخيص التعب ومعالجته، ولكنهم فشلوا، إذ اكتشفوا أن العملية معقدة جداً وذاتية إلى أبعد حد، وبالتالي سقط التعبير من التداول البورجوازي ليصبح التعب مشتركاً بين النبلاء وعامة الشعب. وفي عام 1869 كان الطبيب الأميركي جورج بيرد يدرس أثر الضغوط الهائلة على رؤساء المصانع، فاخترع كلمة جديدة لتوصيف حالة الإرهاق النفسي الذي يعانونه وهي الـneurasthénie، ولكنها فقدت بريقها ورونقها بعد فترة واختفت من التداول بعدما اكتشف الأطباء أنها تطال أيضاً الفلاحين، لا النخبة الاجتماعية فقط.ومنذ ظهوره في ثلاثينيات القرن الماضي عرف مفهوم الضغط (stress) نجاحاً باهراً وغير مسبوق. ومثل الكلمات الأخرى بهر الضغط النفسي الناس، لأنه كان مرتبطاً في بداياته بالطبقات الحاكمة. وقد جرت محاولات عدة لتوصيف المرض علمياً، ولكن لم يتم التوصل إلا إلى تعريف بسيط، إذ عُدَّ الضغط النفسي «ردة فعل بيولوجية من الجسم على إثارة خارجية». ولجنة الخبراء التي عينها وزير العمل الفرنسي للبحث في موضوع الضغط في مكان العمل اختارت تعبير «مخاطر بسيكو ـ اجتماعية»، ولكن وسائل الإعلام فضّلت اعتماد تعبير «ضغط في مكان العمل» لكونه «على الموضة» أكثر. وستكون عبارة «الإنهاك النفسي» Burn out الأكثر تداولاً في القرن الحالي وستحل مكان «الضغط» تماشياً مع الموضة، والسبب يعود إلى أنها كلمة أميركية. وكان الأطباء النفسيون الأميركيون قد استعاروا الكلمة من الصناعات الفضائية في ستينيات القرن الماضي، وهي تصف حالة الصاروخ الذي يسقط على الأرض بعد أن يفرغ من الوقود. وترسّخ التعبير في فرنسا، وفيما كان يتوجه إلى قطاعات معينة في البداية (التعليم، الشرطة، الإطفاء...)، أصبح يستعمل من الجميع. وحسب لوريل «نحن نخوض المعاناة نفسها ونتكلم بالتالي اللغة نفسها»، والنتيجة أن الجميع اليوم «منهكون نفسياً» حتى ربّات المنازل.