بعيداً عن تحفظه المعروف في إطلاق الأحكام، يسجّل المطرب الراحل محمد عبد الوهاب في أوراقه الخاصة وبصراحة غير معتادة آراء حادة في موسيقيين وزعماء، منهم الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، متهماً إياه بـ«خداع الجماهير».ويقول عبد الوهاب في كتاب «رحلتي.. الأوراق الخاصة جداً» (159 صفحة عن دار الشروق) الذي حرره الكاتب المصري فاروق جويدة والذي ينشر تزامناً مع «معرض القاهرة الدولي للكتاب» الذي اختتم أمس دورته الأربعين، إن عبد الناصر كان «يخطب في الجمهور وهو غير مؤمن بما يقول، ويعلم أنه يخدع الجماهير ومع ذلك تصدقه الجماهير بحماسة شديدة. وكان (خليفته) أنور السادات يخطب في الجماهير وهو مؤمن بما يقول ولا يكذب ولا يخدع ومع ذلك لا تصدقه». ويرى عبد الوهاب، الذي حمل ألقاباً، منها «مطرب الملوك والأمراء»، أن الاشتراكية أفسدت الفن، مشدداً على أن «الأغلبية والجماهيرية لا تدفع فناً إلى الرقي. أما الملوك والأمراء والصفوة فكانوا يتّسمون بحسن الاستماع إلى الفن الرفيع».
وذلك على الرغم من تقديم عبد الوهاب أعمالًا فنية غزيرة تلحيناً وغناء في الإشادة بالثورة وزعيمها عبد الناصر، منها (بالعلم والإيمان) و(الله يا بلادنا) و(دقت ساعة العمل الثوري) إضافة إلى أناشيد شاركه فيها مطربون عرب ومصريون منهم عبد الحليم حافظ ونجاة وشادية وفايزة أحمد ووردة وصباح، منها (الجيل الصاعد) و(صوت الجماهير) و(الوطن الأكبر) و(يا جمال النور) الذي يقول عبد الوهاب في أحد مقاطعه «يا جمال النور والحرية ـــــ يا جمال ثورتنا العربية» وفي أغنية (بطل الثورة) يقول عبد الوهاب «انت حبيبنا يا جمال ـــــ انت ناصرنا يا جمال». لكن الكتاب يخلو من أي صورة لقصاصة أو ورقة بخط عبد الوهاب. ولا يستطيع القارئ بعد الانتهاء من الكتاب أن يعرف إن كان عبد الوهاب يكتب يوميات بانتظام أم كان يسجل آراء وخواطر عفوية. ويقول جويدة في مقدمة عنوانها (عبد الوهاب.. وصداقة عشرين عاماً) إنه قضى عاماً كاملًا مع الأوراق التي سلّمتها له أرملة عبد الوهاب وتزيد على 600 ورقة مختلفة، مضيفاً أنه اكتشف «عبد الوهاب آخر غير الذي نعرفه» من خلال أوراقه الصريحة.
ويصف عبد الوهاب الملحن المصري بليغ حمدي (1932ـــــ1993) بأنه «موهوب»، لكن «عنده صمم لغير ألحانه فهو لا يحس بجمال غيره، وإذا مدحته في حضوره انتفخ كالديك الرومي!» كذلك يتهمه بأنه تجاري في ألحانه. أما سيد مكاوي (1926ـــــ1997) فهو مريح وهادئ، ويشعر عبد الوهاب حين يسمعه يغني بأنه «يسبّ المغنين والملحنين، كأنه يقول لهم بغنائه، هكذا يكون الغناء وهكذا يكون التلحين يا أولاد الـ...».
وعن فيروز يقول عبد الوهاب تحت عنوان (فيروز.. سلطة الأغنية القصيرة) إنها «أقدر المطربات في تأدية الأغاني القصيرة» نظراً لقدرتها على أن تطرب السامع في أقصر وقت كأنه استمع إليها لساعات.
وحين يكتب عبد الوهاب عن الراقصة والممثلة المصرية الراحلة تحية كاريوكا، يختار عنوان (رمز الاستقلال الفني) قائلًا إنها قادرة على أن تعطي ما عندها من فن وحركة في متر مربع واحد بإبهار كبير. حيث جعلت للراقصة المصرية شخصية وسط اللبنانيات والأرمن وغيرهن إذ كان رقصهن «كطعام خال من الملح»، مضيفاً أنها جعلت للرقص والراقصة «احتراماً اجتماعياً لم يكن موجوداً قبل ظهورها».
(رويترز)