امتلأت دار الأوبرا السورية أول من امس بالجماهير التي أمّت المكان لحضور عرض أوبرا «تراجيديا كارمن» الذي قدّمه فنانون سوريون وفرنسيون في أول عمل مسرحي أوبرالي يخرجه سوريون بمعظمه، من إنتاج فرنسي ـــــــ سوري مشترك. وبدا جهاد سعد مخرج العمل الذي عرض باللغة الفرنسية مع ترجمة الى العربية (والذي يختتم عروضه اليوم)، شديد الحماسة لهذه التجربة. وحرص خلال مؤتمر صحافي شارك فيه على التحدث بالفرنسية مضطراً المنظمين الى ترجمة حديثه الى العربية.
ورأى سعد أن «أهم شيء كان نقل الأوبرا كفنّ الى الجمهور في سوريا وهو أمر ليس سهلاً، وكذلك أمر استقباله منهم». واعتمد سعد الذي تصدّى للسينوغرافيا أيضاً، بشكل أساسي على الممثلين والأصوات الأوبرالية. وجاءت الخشبة فقيرة بالديكور الذي اقتصر على مصطبتين في مساحة الخشبة، يصلهما معبر صغير.
واحتلت لوحة كبيرة من تلوينات سوداء وحمراء أنجزها الفنان التشكيلي ياسر حمود، صدر الخشبة منذ بداية العرض.
سعد الذي أخرج وألّف وأعدّ العديد من المسرحيات للخشبة السورية، جرّد الأوبرا من الإبهار البصري الذي تتميز به عادة باعتبارها فناً يخاطب الجمهور العريض بلغة بصرية بسيطة ومبهرة، وقدم نموذجاً تجريبياً للأوبرا الأصلية ركّز فيه على النواحي المسرحية فقط.
وقد تعمد التقشف في الديكور والملابس والإضاءة، وهو ما أثار انتقادات المهتمين وبعض النقاد. إلّا أن سعد رد على ذلك بالقول إن طريقته في العمل «كثيراً ما كانت تعطي الأولوية للممثل» وتتلافى الخوض في إشكالية المكان وهويته. وقامت مغنية الميتزو سوبرانو الفرنسية سيلفي التابارو بدور كارمن ومواطنها التينور دافيد لوفور بدور العريف دون خوسيه بينما جسدت دور ميكائيلا صديقة كارمن وخطيبة دون خوسيه، السوبرانو السورية رشا رزق ولعب شادي علي الباريتون السوري، دور اسكاميو مصارع الثيران. وخلال عرض الأوبرا بدا لافتاً أن المغني السوري شادي علي غادر الكواليس إلى جانب الصالة، ليلقي نظرة على ما يحدث على الخشبة «من الخارج» كما قال لفرانس برس، مؤكداً أن العمل مع الفرنسيين كانت له «فائدة كبيرة». وجاء غناء وأداء الفرنسية التابارو متفاوتاً بين مشهد وآخر، ما خفف من تأثير بعض اللحظات المهمة. كما أن حركتها على الخشبة بدت غير مدروسة أحياناً وتفتقد الحيوية والرشاقة اللتين يفترض توافرهما لدى راقصة غجرية مثل كارمن. وأدّى ثلاثة ممثلين سوريين الأدوار غير الرئيسية هم عدنان أبو الشامات (الضابط زونيغا)، وكامل نجمة (ليلاس باستيا صاحب النزل) إضافةً الى جهاد سعد الذي أدّى دوراً صغيراً (غارسيا زوج كارمن). كما شارك راقصو فرقة «سمة» في تنفيذ المشاهد التي تضم المجموعات وعزفت موسيقى الأوبرا فرقة مكوّنة من 14 عازفاً سورياً وعازفين فرنسيين بقيادة المايسترو الفرنسي سيلفان غازانسون. وأوبرا «تراجيديا كارمن» هي اقتباس قام به بيتر بروك عن اوبرا كارمن لجورج بيزيه (1875-1838) التي استقبلها النقاد والجمهور بفتور شديد. وقد رغب بروك بتكثيف الناحية الدرامية والتراجيدية لنسخة جورج بيزيه، فلم يحتفظ إلا بسبع شخصيات رئيسية بدلاً من 15.