strong> فريد بو فرنسيس
لم تعد دور السينما في مدينة طرابلس كما كانت عليه «أيام زمان»، وكما عرفها المعمّرون في المدينة، بحيث تبدلت صورتها جذرياً. فبعدما كانت مقصداً للكثيرين من أبناء الشمال وخارجه، أصبحت اليوم متروكة ومنسية في معظم صالاتها التي أقفل عدد كبير منها. ورغم أن بعض الصالات قد فتحت أخيراً في العاصمة الشمالية، فهي جزء من سلسلة دور حديثة تعرض الأفلام التجارية الأميركية، فيما الصالات القديمة لم يصر إلى تحديثها بل بقيت على ما كانت عليه حتى تمّ إقفالها أو تمّ استبدالها لأغراض بعيدة جداً عن عرض أفلام على الشاشة الكبيرة. حين بدأت دور السينما تفتح أبوابها في طرابلس (منذ أكثر من سبعين سنة) كانت أشبه بالأسطورة. فكانت الصالات تمتد على طرفي شارع عريض متفرّع من ساحة التلّ في وسط المدينة. ملصقات مرسومة باليد أو مطبوعة لأبطال أفلام مصرية، هندية وأفلام «كاوبوي» أميركية، تنقّلت بين مختلف صالات «الريفولي» و«الروكسي» و«شهرزاد» و«الأهرام» و«الدنيا» و«بالاس» والـ«كولورادو»...
ويروي أبو أحمد، وهو شيخ مسنّ تجاوز السبعين من عمره، أنّ طرابلس كانت «المدينة الأبرز بين المدن اللبنانية على صعيد اللهو والسمر لما تحتويه من ملاه ومسارح ودور سينما». ويؤكّد أهالي المدينة أنّ الناس كانوا يأتون من حلب وحمص واللاذقية وطرطوس ودمشق وحتى الأردن.. ليسهروا فيها، وأن أغلب الفنانين العرب مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش ويوسف وهبي، كانوا يقدمون العروض الفنية في الدور، بالإضافة الى أشهر الراقصات مثل تحية كاريوكا وسامية جمال وهدى شمس اللواتي قدمن وصلات راقصة.
أما اليوم، فيبدي معظم سكان المدينة أسفهم لما حلّ بـ«عاصمتهم» من تراجع للنشاطات والحياة الثقافية والفنية عامة، وما لحق بالدور السينمائية القديمة من إهمال إن في التأهيل أو في الإنتاج. وقد بدأ ذلك التراجع مع الجمود الذي سببته الأحداث الأمنية منذ السبعينيات، وهو ما أوجد جوّاً منغلقاً في طرابلس زاد من حدّته ظهور التلفزيون والفيديو وأخيراً الفضائيات والـ«دي في دي» والإنترنت ليصيب السينما بالضربة القاضية.ويقول نبيل السباعي صاحب سينما «ريفولي» إنّ «التكنولوجيا ووسائل الإعلام الفضائية والمحلية قد طغت على السينما فأصبحنا من دون عمل، وبعدما كانت الصالات تعجّ بالحضور ها نحن اليوم نستخدم مدخل السينما فقط، بعدما حولناه إلى محل لبيع البوظة والحلوى والعصير». وقد تحوّلت معظم مداخل دور السينما القديمة في طرابلس الى «بسطات» لشرائط الكاسيت المسجّلة والـ«سي دي» أو محال للمأكولات السريعة. ويرى السباعي أن «من واجب وزارة السياحة أن تهتم بدور السينما وتقدم لها المساعدة المطلوبة، خصوصاً أن الضرائب لا ترحم، وهو ما يجعل كلفة عرض الأفلام باهظة الثمن، بالإضافة الى ارتفاع أجور الموظفين والأحداث الأمنية المتدهورة في البلد، التي تؤثر سلباً على كل الأصعدة». ويجمع معظم أصحاب دور السينما في طرابلس على أنهم «كانوا يحسبون ألف حساب لأيام العطل والأعياد، للإقبال الكثيف على صالاتهم في تلك الأيام، أما في هذه الأيام فهم يقومون بالعرض لأربعة مشاهدين في الصالة فقط في بعض الأحيان».