بعدما زار مصر والمغرب وفلسطين والسعودية، ورُويت للقراء حول العالم أحداث مغامراته في الدول العربية تلك، ها هو «تان تان» وكلبه «ميلو»، الثنائي الكرتوني في إحدى أشهر الروايات العالمية للكاتب البلجيكي «هيرجي»، «ينسحب» جزئياً من العالم العربي، وذلك بالتوقّف عن النطق باللغة العربية. والسبب إنهاء التعاقد بين الناشر البلجيكي كاسترمان ودار المعارف (وهي دار نشر مصرية) كانت تمتلك حق نشر المغامرات باللغة العربية منذ ثلاثين عاماً. وبهذا لم تعد هناك نسخة عربية من مغامرات «تان تان». ويوضح مدير قسم النشر الدولي في كاسترمان ويللي فادرو أنه «لم يكن بوسعنا أن نستمر في نشر نسخة نوعيتها رديئة وألوانها متداخلة وطباعتها سيئة»، كما يبدي أسفه لـ«اضطرارهم إلى التغيّب عن العالم العربي، وخصوصاً أن هناك 80 ترجمة لـ«تان تان» في العالم». وقد رفضت دار النشر المصرية الرد على الأسئلة المتعلقة بهذا الشان.وكانت الروايات قد أثارت ضجّة إعلامية وثقافية في السنوات الأخيرة بعد اتهامها بالعنصرية وبتشويه صورة العرب. لكن جمهورها لا يزال مقبلاً على قراءتها باستمرار، وذلك يتناقل من جيل إلى جيل، رغم مرور الزمن على كتابتها وتضمنها صوراً نمطية قديمة.
ويقول الأستاذ الجامعي التونسي عصام مرزوقي الذي يشارك في القاهرة في مؤتمر أساتذة اللغة الفرنسية في العالم العربي: «إن مجيء تان تان لزيارتنا واحتفاظه بالكثير من الأصدقاء هو أمر مدهش بالفعل». ويضيف: «عندما كنت أقرأ تان تان في طفولتي، كنت كمن ينظر في مرآة رائعة، لكنها تعطي صورة مشوهة عن العالم الذي أنتمي له. لكن نظرة هرجيه إلى العرب تطورت مع الوقت، وكانت تزداد انفتاحاً وواقعية، وتخلّت شيئاً فشيئاً عن الأفكار المسبقة والصور النمطية».
وتدور أحداث أربعة ألبومات لـ«تان تان» في العالم العربي في منتصف القرن العشرين، وهي «سيكار الفرعون» (1934) و«السرطان ذو المخالب الذهبية» (1941) و«في بلد الذهب الاسود» (1950) و«مخزون الكوك» (1958).
وتتناول مغامرات «تان تان» في الدول العربية قضايا عديدة من تهريب الأفيون إلى الصراع على النفط، مروراً بشبكات الرقيق...
وفي «سيكار الفرعون» الذي يستوحي الأجواء المصرية الفرعونية التي راج الاهتمام بها آنذاك بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، تدور أحداثه على خلفية انهيار الدولة العثمانية. وفي «السرطان ذو المخالب الذهبية» يذهب «تان تان» إلى المغرب الذي كان آنذاك تحت الوصاية الفرنسية لكي يكشف مهربي المخدرات ثم يعود إلى السعودية في ألبوم آخر يحمل عنوان «في بلد الذهب الأسود» وهو ألبوم تم تعديله أكثر من مرة. ففي النسخة الأولى يبدأ «تان تان» مغامرته في فلسطين إبان الاحتلال البريطاني، حيث يتنازع اليهود والعرب، ويعتقله من طريق الخطأ إرهابيون من الجانبين. وفي نسخة عام 1970، أسقِط هذا الجزء، وتوجه «تان تان» مباشرة إلى السعودية حيث عايش النزاع بين شركتي نفط بريطانية وألمانية.
أما ألبوم «مخزون الكوك (الكاكويين)» فهو يلقي نظرة إنسانية على مشكلة الرق عندما يكشف «تان تان» شبكة أفريقية تهرِّب الرقيق أثناء الحج إلى مكة. وقد صادرت السلطات المصرية هذا الألبوم أخيراً ومنعت استيراده من دون توضيح الأسباب.
(أ ف ب)