خالد صاغيّة
في زمن تستعر فيه «الفتنة» السنيّة ــ الشيعيّة، يبدو العلمانيّون في لبنان الأكثر شعوراً بالراحة. فحال الطائفيّين تزداد حرجاً، إلى حدّ يستدعي الشفقة. إذ ينبغي الاعتراف أنّنا نعيش في بلاد اعتاد الطائفيّ المسيحيّ فيها على كراهية «أخيه» المسلم، والطائفيّ المسلم على كراهية «أخيه» المسيحيّ. اليوم، لا يسمح الوضع بهذا النوع من الطائفية. المسيحيّ الذي قاتل «إخوانه» المسلمين في الحرب الأهلية السابقة، لا يستطيع اليوم اتّخاذ موقف موحّد من هؤلاء «الإخوان». عليه أن يختار بين السنّة والشيعة، وأن يكره فئة دون أخرى. لا بل سيجد نفسه مضطرّاً للتحالف مع إحدى هاتين الفئتين.
يصبح المأزق أكثر تعقيداً إذا ما نظرنا إليه من زاوية المسلمين. فهؤلاء لا يستطيعون حتّى التمييز بين المذاهب. خياراتهم ليست بين موارنة وأرثوذكس مثلاً. هم مضطرّون للتعبير عن موقفهم من إخوانهم المسيحيين سياسياً. بإمكان الشيعي مثلاً أن يحبّ المسيحي العوني، فيما السنّي يذوب غراماً بالمسيحي القوّاتي. أمّا المسلم «الأصيل» في طائفيّته، فلن يستطيع التعبير عن مكنونات نفسه. يمكنه أن ينتصر للسنّة، لكن في وجه الشيعة. ولن يكون بإمكانه أن «ينكي» المسيحي كمسيحي إلا من تحت الطاولة.
وحده العلمانيّ بإمكانه اليوم أن يكون طائفياً على هواه. بإمكانه أن يرتاب من السنّة باعتبارهم «حلفاء الإمبريالية»، أو من الشيعة باعتبارهم «جالية أجنبية»، أو من المسيحيّين باعتبارهم «أقليّة مريضة». بالنسبة له، الجميع سواسية في المواطنية.