عساف أبو رحال
قرب مجرى الحاصباني في منطقة حاصبيا، تقام صبيحة كل يوم ثلاثاء سوق شعبية تعرف بسوق الخان، نسبة إلى الخان الشهابي الموجود في هذه المحلة، وتستقطب نحو خمسة آلاف زائر من مناطق لبنانية مختلفة، وتعدّ من أقدم الأسواق الشعبية في لبنان والشرق، إذ لا تزال مستمرة منذ عام 1365 حتى يومنا هذا. ولم يتوقف نشاطها، سوى خلال الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة في آذار عام 1978، لفترة وجيزة، وكذلك خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
زبائن السوق في ازدياد مستمر بسبب الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن، وهم ينتمون الى أوسع شرائح المجتمع، ما خلا استثناءات قليلة. ويحلو لبعضهم تسمية السوق «سوبر ماركت الفقراء».
سوق الخان والأسواق الشعبية الأخرى تعاني سوء التنظيم وعدم وجود البنى التحتية الضرورية لاستقبال آلاف الوافدين في مساحة صغيرة لا تتجاوز بضع مئات من الأمتار المربعة، إذ تختلط فيها مئات الأصناف، بدءاً من الألبسة والمأكولات والأدوات المنزلية والمنتوجات الزراعية وانتهاءً بالأبقار والماعز والأغنام. الخان الكبير الذي بناه «أبو بكر الشهابي» من الكلس والحجارة، مؤلف من أقبية وعقود وغرف واسطبلات. وتبلغ مساحة الخان الإجمالية نحو سبعة آلاف متر مربع. ولم يبق منه سوى بعض الجدران القائمة، وذلك بسبب الدمار الذي ألحقته الاعتداءات الإسرائيلية بالمنطقة منذ عام 1969. وكان الخان يتسع للعديد من “المكارية” الذين يؤمّونه بقصد المنامة، أو لعرض بضائعهم، وتحديداً يوم الثلاثاء الذي بقي حتى الآن الموعد الرسمي لإقامة السوق، وكان قاصدوه يفدون إليه من الجولان وفلسطين وحوران وجبل عامل والبقاع ومناطق لبنانية أخرى.
ويؤكد كبار السن في قرى المنطقة: «أن السوق شكلت في ما مضى محطة تجارية استقطبت مئات التجار من فلسطين والجولان، نقلوا معهم البضائع والمنتوجات المختلفة، حيث المقايضة كانت الوسيلة الأسهل في حركة البيع والشراء. فمثلاً أهالي راشيا كانوا يقايضون فخّارهم من الأباريق والجرار بسلع أخرى غير متوافرة عندهم مثل الليمون القادم من حيفا ويافا وسواحل فلسطين؛ في حين كان تجار الجولان يأتون بمنتوجهم من الحبوب كالقمح والشعير والذرة، محمّلة على ظهور البغال، الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع آنذاك».
روّاد سوق الخان ــ كما الأسواق الشعبية الأخرى ــ متنوعون، منهم التجار والزبائن، والبعض يقصدها للقاء الأصحاب من القرى المجاورة والوقوف على آخر أسعار بعض السلع والمواشي والشتول الزراعية، أضف الى ذلك ما يدور في زوايا السوق من «مؤتمرات» يشارك فيها كبار السن ممن واكبوا نشاط السوق منذ بضعة عقود.
سوق الخان الشعبية تفتقد اليوم زوارها من الجولان وفلسطين وحوران، لكنها تبقى محط أنظار أهالي المنطقة؛ يتحدثون عنها قبل انعقادها، ثم يتناقلون ما شهدته السوق يوم الثلاثاء. يذكرون اللقاءات مع البائعين، يروون حكايا بعض من قصد السوق.
مضت السنوات والعقود، ولا تزال السوق تقوم بدوريها: “التجاري” و“الاجتماعي”، سوقاً مزدهرة للفقراء، وفسحة للقاءات وتطوير العلاقات بين الأفراد.