برلين ــ غسان أبو حمد
شرّعت برلين أبوابها أمام العالم، وأطل مهرجانها السينمائي الدولي للمرة 57، وعبره عادت أسطورة الغناء الفرنسي أديث بياف، صدحت في صالة ملاصقة لجدار التقسيم التاريخي من خلال فيلم “الحياة الوردية” الذي يروي حياتها الحافلة بالمآسي. ويتناسب هذا الخيار لافتتاح المهرجان مع “هيمنة” نسائية على أفلام هذه الدورة، إضافة إلى طغيان أفلام تناقش العولمة وآثارها ومحاولات طي صفحة الحرب العالمية الثانية كفيلم كلينت إيستوود “رسائل من إيوجيما”. يكرم المهرجان في دورته التي تستمر إلى 18 الشهر الجاري بياف والمخرج الألماني («الغربي» سابقاً) راينر ــ فيرنر فاسبندر، الذي قدّم رائعته السينمائية «برلين ألكسندر – بلاتس» (وسط العاصمة التاريخي) وتوفي قبل 25 عاماً دون تحقيق أمنيته برؤية برلين موحدة.
وفي البرنامج 400 فيلم، بينها حوالى مئة تعرض للمرة الأولى، بالإضافة إلى أفلام تشارك في أقسام متنوعة، من قسم “البانوراما” التي تحوي 50 فيلماً، إلى قسم “الفوروم” وقسمي الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة، وصولاً إلى أفلام الأطفال وأفلام تكريم النجوم.
وفي البرنامج الرئيسي للأفلام المتنافسة هذا العام 24 فيلماً من جميع أنحاء العالم مع غياب تام للحضور العربي.
ويترأس لجنة التحكيم للدورة 57 المخرج الأميركي بول شريدر وإلى جانبه أسماء لامعة في تاريخ السينما الألمانية والأوروبية، بينها ماريو أدورف ووليام دافوي. وفي اللجنة أيضاً الممثلة الفلسطينية هيام عباس. ويحضر نجوم عالميون مثل إيستوود والممثلة كيت بلانشيت والممثل بن كينغسلي وجنيفر لوبيز .
وتحدث مدير المهرجان ديتر كوسليك مطولاً عن الصعوبة التي واجهت لجنة التنظيم لاختيار الأفلام المشاركة في المسابقات من بين لائحة تجاوزت خمسة آلاف فيلم.
هذه السنة أيضاً، يبحث “دبّ برلين الذهبي” عن هويته الفنيّة، تماماً كما تبحث العاصمة الألمانية عن هويتها. فانطلاقاً من قاعدة “من يملك الصورة يملك السلطة” ولد مهرجان برلين السينمائي الدولي في غرب العاصمة عام 1951 ليكون رمزاً لمكافحة النسيان ومنشطاً للذاكرة واستعادة مسالمة لتاريخ عاصمة أوروبية شغلت العالم بحضورها العسكري فقررت استعادته بحضور ثقافي عالمي.
اليوم تخطى المهرجان غاية مصمّميه كسلاح إعلامي عقائدي وتحوّل إلى منبر ثقافي عبرت من بوابته السينما الاشتراكية اليسارية ونجوم التمثيل والإخراج، لتكشف أن “الكاميرا المثقفة” ليست أضواء وبهرجة، بل هي روائع إنسانية تحركها الأحاسيس وقضايا الشعوب المعذّبة. من مهرجان برلين السينمائي الدولي، رفع الحامي والأديب والمخرج الفرنسي الراحل أندريه كايات جائزة “دب برلين الذهبي” عام 1951 عن فيلمه “العدالة قررت”، ثم أطل بعده، المخرج السويدي إنغمار برغمان (1958)، والفرنسيان كلود شابرول (1959) وجان ــ لوك غودار (1965)، ثم المخرج البولوني رومان بولانسكي (1966)، وبعده المخرج الهندي ساتايجيت راي (1973)، وآخرون من الصين واليابان وروسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا... رفعوا بأيديهم جائزة “الدبّ الذهبي”، وإنصافاً للحقيقة والواقع، يُضاف إلى هذه السلسلة من النجوم، سلسلة أخرى، ضمّت العديد من مخرجي الروائع في أقسام الأفلام التوثيقية والأفلام القصيرة.