خالد صاغية
يذكر اللبنانيّون جيّداً عبارة «ضبط معك الحساب، بس خربتلّي بيتي» التي ترد على لسان مدير المطعم في مسرحية «بالنسبة لبكرا شو» لزياد الرحباني. العبارة نفسها تنطبق على الحسابات الوطنية للبنان (عام 2005) التي أطلقها أمس بكلّ فخر رئيس الحكومة السيّد فؤاد السنيورة.
فوفقاً لهذه الحسابات، بلغت نسبة خدمة الدين العام 111% من الضرائب المباشرة والاشتراكات الاجتماعية. وهذا يعني ببساطة أنّ كلّ ما يدفعه اللبنانيّون من هذه الضرائب إلى الدولة، تعود الدولة وتدفعه فوائد للمصارف وكبار المودعين فيها الذين كانوا قد اشتروا سندات الخزينة. بكلام آخر، تغادر الأموال جيوب المواطنين لتستقرّ في جيوب الأثرياء منهم، ونوع محدّد من هؤلاء الأثرياء.
ليست هذه العملية تفصيلاً بسيطاً. إنّنا أمام عمليّة نهب منظّم تقوم بها الدولة لمصلحة طبقة بعينها، والرقم 111% ليس إلا أحد أعمدة هذه العملية. هكذا تحوّلت الدولة في لبنان بعد الطائف، بهمّة الفريق الحاكم نفسه، إلى أداة لتوزيع معاكس للثروة.
يقدّم لبنان حالة نموذجيّة لضرورة الإمساك بالدولة من أجل تقليص دورها. فعملية النهب هذه ما كانت لتتمّ لولا سنّ عدد هائل من التشريعات، وجرّ الدولة إلى الاستدانة بلا كوابح، قبل رفع يدها عن القطاعات التي تملكها عبر عمليات الخصخصة بحجّة ضرورة خفض الدين الذي كانت قد جُرّت إليه.
ذات يوم، ابتدعت الرأسمالية الضرائب لتتمكّن الدولة من رعاية ضحايا السوق. باتت الضرائب عندنا وسيلة لجعل الضحايا ضحايا مرّتين.