خالد صاغية
من يستمع إلى تصريحات نوّاب الأكثرية ورؤساء كتلهم، يخرج بانطباع أنّ الاتفاق على رئيس بينهم وبين المعارضة هو تنازل إذا ما قاموا به ينتهي دورهم. وقد استخدم بعضهم عبارة «الانتحار السياسي» لوصف حال الأكثرية لدى وصول رئيس توافقي إلى قصر بعبدا. يكرّس ذلك صورة خاطئة بأنّ الرئيس التوافقيّ هو انتصار للمعارضة.
فالواقع أنّ مطلب التوافق الذي طرحته المعارضة جاء بعد سلسلة خيبات لها، وبعدما نجح فريق السلطة في الدفاع عن مواقعه. فالتظاهرات الضخمة التي نظمتها المعارضة لم تتمكّن من إسقاط رئيس الحكومة الذي تمترس وراء طائفته، داعياً مفتي الجمهورية إلى الصلاة في السرايا. والاعتصام في وسط بيروت الذي طالب بالثلث المعطّل/ الضامن لم يحصل على ذاك الثلث، وبات اعتصاماً من دون مطلب. ولم تأتِ الدعوة إلى التوافق إلا في خطاب ألقاه نبيه برّي في بعلبك وطرح فيه مبادرة شكّلت المخرج الوحيد من أزمة كادت تدفع البلاد نحو حرب أهلية لا أحد يضمن بقاءها باردة.
في الوقت نفسه، كانت الأكثرية تحافظ على موقعها في ما يخصّ المسألتين اللتين رفعت لواءهما: المحكمة والحكومة. أقرّت المحكمة الدولية تحت الفصل السابع كما هدّد الأكثريّون، وبقيت الحكومة وعلى رأسها فؤاد السنيورة في السرايا.
التوافق إذاً فرصة لخروج المعارضة من خيباتها المتكرّرة. لكنّه في الوقت نفسه فرصة للأكثرية للخروج من مأزقها العبثيّ: نحن في غالبية الأحيان أمام نوّاب مهدّدون بسبب موقعهم السياسي، وعند اغتيالهم يجري انتخاب بدلاء منهم من الموقع السياسي الآخر. ثمّة إذاً من يستعدّ للموت من أجل من يمثّل، بينما من يمثّله لا يريده في هذا الموقع. الاغتيالات لم تعد وحدها ما يحاصر الأكثرية. حصارها الفعليّ يكمن في عدم قدرتها على التمدّد الشعبي، رغم كلّ شيء...