خالد صاغية
عاد المهرّج إلى لبنان.
سيرقص، ويغنّي، وينظّم حملات للمجتمع المدني، ويزجر الصحافيّين، ويدير المفاوضات بين أهل السياسة. وذلك كلّه في أوقات الفراغ التي تمكّن من تخصيصها لبلدنا الصغير.
عاد المهرّج إلى لبنان.
بدأت الوكالات الإخبارية تتناقل صوره. يداه لا تكفّان عن الحركة في كلّ الاتّجاهات، وعيناه تشيان بدهشة واستغراب دائمين، فيما تعابير وجهه تنمّ عن غرق في تفكير عميق.
عاد المهرّج إلى لبنان.
وهو يفهم تماماً على الزعماء اللبنانيين وتقلّباتهم. فهو نفسه بهلوان في السياسة، وفي التنقّلات من اليسار إلى اليمين، من دون أن يفقده ذلك شعبيّته.
عاد المهرّج إلى لبنان.
لديه سلّة اقتراحات، وهو أدرى بأمورنا. فالدولة ومؤسّساتها عندنا هي من صنع آبائه المستعمِرين، وهو منذ زمن كرّس حياته للعناية بضحايا استقلالات ما كان يجب أن تُعطى.
حين يلتقي المهرّج بالبطريرك، لا نعلم إن كانت تسمية رئيس للجمهورية تدخل في باب التهريج هي الأخرى. لكن يسود الجلسة اقتناع بأنّ البرلمان والحكومة والبلديّات والمجلس الدستوري... هي كلّها لزوم ما لا يلزم. فمن يحتاج لمؤسّسات مدنيّة كهذه، في ظلّ وجود الحضن الدافئ للمؤسّسات الروحيّة، وعباءاتها الخريفيّة؟
عاد المهرّج إلى لبنان.
لا يحمل آثار دماء على يديه. لكنّه يحمل تاريخاً عريقاً في التعامل مع شعوب المستعمرات، وصورة لوجهه الأميركي الأبيض حين يخلع قناع المهرّج.
عندها، لن يُضحك أحد أحداً.