strong>بيسان طي
التعريف بسيغموند فرويد لا يحتاج إلى شرح طويل، فمؤسس التحليل النفسي أرسى مدرسة في العلاج هي الركيزة التي يستند إليها المعالجون والباحثون الذين يحاولون سبر النفس الإنسانية.
بل ثمة تيارات فكرية وفنية وثقافية تدين لفرويد واكتشافاته، ولا سيما السريالية، ومن أبرز رموزها الرسام العالمي سلفادور دالي.
فرويد، الذي رحل عام 1939، يتمتع بشهرة كبيرة جداً في مختلف أنحاء العالم، لكن ثمة عطش دائم لدى المهتمين بعلم النفس لمعرفة المزيد عنه. وصحيفة «أل موندو» الإسبانية جاءت ببعض ما قد «يشفي» فضول هؤلاء، ونشرت الصحيفة مقابلة مع مارغريت لوتز، وهي إحدى المرضى الذين عالجهم فرويد، وهي الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة.
المرأة البالغة من العمر 89 عاماً، تذكرت ليالي الوحدة الطويلة التي عانت منها خلال صباها، وكانت تشعر أحياناً بأنها تعيش فترات سوداء مظلمة. تجلس خلف النافذة في شقتها في فيينا وتروح تراقب المارة وتحلم. وعلقت مارغريت «كنت منقطعة عن الآخرين، لا علم لي بالأزمات السياسية والاقتصادية التي غرقت فيها العاصمة النمسوية».
كانت مارغريت فتاة مطيعة وحالمة، وكانت تريد أن تصير مخرجة وأن تقدم أعمالاً مسرحية أو عروضاً أوبرالية.
نسيت مارغريت واقعها واختارت الركون إلى أحلام اليقظة، فقد كانت ممنوعة من مغادرة المنزل، ومنعها أهلها من متابعة دروس في مدرسة الرقص.
كانت مارغريت تشعر بأنها حزينة، وتغرق أحياناً في حال من السوداوية، لكنها لم تتنبه إلى أنها مصابة بالكآبة.
«في يوم ما من عام 1936 قررت أن أُخرج مسرحية واخترت المارة والعمال جمهوراً لي».
تخطّت الفتاة عتبة البيت، وخرجت إلى الشارع لتقدم عرضها. هذه الخطوة أذهلت ذويها وأغضبتهم، بل «اقتنعوا حينها بأنني مجنونة».
لم يجد والد مارغريت حلًّا لحالها، وحملها أخيراً إلى عيادة فرويد، أجاب بسرعة عن أسئلة الطبيب ثم اضطر إلى الخروج من العيادة بناءً على إلحاح فرويد نفسه. تلك اللحظة شعرت مارغريت براحة كبيرة وروت أن فرويد بدا لها «عجوزاً في بزته الرمادية ولحيته البيضاء، لكن نظرته كانت مليئة بالحنان وبالتفهم».
زارت مارغريت فرويد لمرة واحدة «وقد كانت كافية ليُخرجني من الكآبة» إذ أقنعها بضرورة أن تبدي رأيها في ما يخصها، وبأن تتحدث عن مشاكلها وعن وحدتها.
مارغريت لا تزال تقرأ كتب فرويد، تتوقف عند «تفسير الأحلام»، وتتابع بحماسة كل النقاشات التي تدور حول «طبيبها»، خاصة تلك النقاشات الحادة بين المعالجين الرافضين لنظريات فرويد أو المجموعة المؤمنة بعلاج الصدمة السلوكية، وقد رد عليهم بعض «تلامذة مدرسة فرويد» في كتاب عنوانه «لماذا كل هذا الكره؟».
تجدر الإشارة إلى أن النقاشات حول نظريات فرويد وأساليبه العلاجية لا تزال محل جدل في بعض الدول، ورغم أن الرجل كبر وعمل واشتهر في فيينا فإن العاصمة النمساوية لم تتذكر «العبقري» إلا بعد مرور 32 سنة على رحيله، حين افتتح متحف في شقة جعلها فرويد عيادته لمدة 30 سنة.