خالد صاغية
على عكس ما يفترض كثيرون، لم يتمكّن نمط الإنتاج الرأسمالي من إلغاء أنماط الإنتاج التي سبقته. يمكن القول إنّه أصبح في كثير من البلدان النمط الأكثر انتشاراً، أو النمط المهيمن أو المسيطر، لكنّ الإقطاعيّة والعبوديّة، على سبيل المثال لا الحصر، لا تزالان محافظتين على وجودهما في العالم الأوّل والثاني والثالث.
يأتي تقرير «هيومن رايتس ووتش» عن الخادمات المنزليات في لبنان ليذكّرنا بأنّ العبوديّة ليست بعيدة جدّاً عنّا. إنّها، في الواقع، قريبة منّا أكثر ممّا نتصوّر. لقد دخلت بيوت اللبنانيين، وغرفهم الحميمة. فمصادرة جوازات السفر للخادمات الأجنبيات، وتحديد إقامتهنّ، ومنعهنّ من مغادرة البيوت، وممارسة كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي عليهنّ، ومنع اتصالهنّ بسفارات بلادهنّ... ممارسات تتجاوز علاقة العامل بربّ العمل، كما نشأت في الرأسمالية. لسنا هنا أمام شراء قوّة عمل العامل. إنّنا أمام شراء العامل نفسه لفترة زمنية محدّدة.
يمتاز لبنان بتزامن تدنّي المستوى الاجتماعي مع ارتفاع الطلب على توظيف الخادمات، علماً بأنّ معظم الخادمات السريلانكيات والإثيوبيات يعملن في بيوت الطبقات الوسطى، إذ يتّجه الأكثر يسراً إلى توظيف خادمات يتقنّ اللغة الإنكليزية.
يقود ذلك إلى الاستنتاج أنّه أمام الإفقار الذي مارسته حكومات ما بعد الحرب المتعاقبة ضدّ الطبقة الوسطى والذي دفع إلى زيادة عدد العاملين في البيت الواحد، ازدادت الحاجة إلى خادمات يساعدن في تدبير شؤون المنزل. أصبحت العائلة تدفع قرابة مئة دولار للخادمة كي تتمكّن ربّة المنزل مثلاً من الحصول على راتب إضافي يمكّن العائلة من المحافظة على الحدّ الأدنى من مستواها المعيشي.
يمكننا إذاً أن نضيف إلى العنصريّة المتأصّلة في ثقافتنا، أنّ جزءاً من العنف الذي يمارسه اللبنانيّون تجاه خادماتهم هو انزياح لعنف كان يجب أن يمارَس في اتّجاه آخر.