بغداد ـــ زيد الزبيدي
إذا كان هدير الدبابات وقصف الطائرات والصواريخ من الأمور التي بات العراقيون معتادين عليها، فإن «الاختراع» الجديد الذي أطلقه نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي والذي يدعى «مشروع المصاهرة الوطنية» عصيّ على الفهم والاعتياد ولا يمتّ للثقافة العراقية بصلة. ففي هذا الجوّ العراقي المشحون، ابتدع السياسيون طريقاً سهلاً لاستمالة عواطف الناس. مبادرة انطلقت في الثاني من الشهر الحالي بـ12 زيجة بين شبان من السنّة وشابات شيعيات برعاية وتشجيع رسميين. وقد سوّق الإعلام المحلّي والدولي لتلك المبادرة بطريقة أظهرت أنّ هذا النوع من الزيجات يحصل للمرّة الأولى في العراق، في حين أن عائلة «الهاشمي» نفسها هي عائلة سنية ـــــ شيعية مختلطة، شأنها شأن أكثر من 90% من العائلات في جنوب العراق ووسطه.
ويقول الأديب والكاتب العراقي موسى الصفّار لـ«الأخبار»: «أنا متأكّد أنّ والدي عندما تزوج والدتي لم يسأل إن كانت سنّية أم شيعية أم تركمانية أم كردية»، فلقد كان دائماً في العراق وجود سنّي وشيعي، إلاّ أنّ العراقيين «يستقبحون» حتى السؤال عن مذهب أي شخص. والمصاهرة بين الطوائف «ما انقطعت في يوم من الأيام، ولم تكن الطائفة في يوم من الأيام عامل فرقة أو عدم مصاهرة في العراق».
ويروي طارق سليم الزبيدي مثلاً قصة ابنته، قائلاً: «كما هو معروف فإن قبيلة «زبيد» شأنها شأن القبائل الأخرى في العراق، تضم السنة والشيعة، وعندما تقدم شخص من عائلة محترمة لخطبة ابنتي، وافقنا مبدئياً، على أن يتم التزاور بين العائلتين، ليلتقي الشابّ ابنتي ويتفاهما، ويحصل انسجام بين العائلتين، ولم نسأل عن الانتماء الطائفي للخطيب، فذلك «عيب» في نظرنا، ولا يفعله إلا الجهلة»، ولكن المشكلة التي أبطلت الزيجة وفصلت الخطيبين عن بعضهما هي عدم تمكّن الشاب من الوصول الى خطيبته لزيارتها لا هو ولا عائلته! وذلك بسبب الحواجز والظروف الأمنية التي يعيشها العراقيون يومياً، وخاصّة أنّ الشاب «مضطرّ» إلى اجتياز طريق المرور السريع الذي يفصل بين شرق بغداد وغربها والذي يمكن أن يستغرق اجتيازه نصف نهار بسبب الحواجز والمعوقات الأمنية.
أما عن ردّات فعل المواطنين العراقيين، وخاصّة في العاصمة بغداد، فهناك شبه إجماع على أنّ تلك المبادرة على رغم اتّخاذها طابعاً رسمياً وهدفاً من شأنه التخفيف من حدّة الانقسام المذهبي المسيّس في العراق، فإنها «مبادرة وُلدت ميتة» إذ «لا خصام بين المواطنين العراقيين أنفسهم، بل بين الساسة الكبار أصحاب المصالح»، وإن المصاهرة الوطنية الحقيقية لا الإعلامية، هي «عندما ترفع الحواجز والدبابات من شوارع بغداد المحاصرة وأزقتها، وبقية المدن العراقية،التي تفتقر الى الفرح الحقيقي النابع من الأعماق.. وذلك عندما يعود العراق الى العراق».