strong>صباح أيوب
بدأ الباحثون في الشؤون التربوية والنفسية في دول العالم المتحضّرة بطرح أسئلة عدّة مع تنامي استخدام الإنترنت لدى الأجيال الصغيرة، وخاصة أنّ أعمار الذين يتعاطون التحادث على الإنترنت، واستخدام البريد الإلكتروني وزيارة المدوّنات وأحياناً إنشاءها أخذ يطال فئة فتيّة قد تبدأ بعشر سنوات فقط. «جيل النِّت»، كيف سيتطوّر؟ كيف يبدو مستقبله؟ هل سيكون اجتماعياً؟ عدائياً؟ حسّاساً؟ قوي الشخصية؟ متوقّد الذكاء؟ أسئلة علمية و«هواجس» يهتمّ بها المجتمع عامةً لأنها ترتبط مباشرة بمستقبل حياة كلّ أعضائه. يبلغ معدّل أعمار الأشخاص الذين يستخدمون شبكة الإنترنت بشكل مكثّف في فرنسا مثلاً بين 12 و24، وفي الولايات المتحدة الأميركية بين 12 و17، حسب ما ذكرت صحيفة «لو موند» الفرنسية. وأكبر نسبة استخدام كانت لمواقع التحادث و«العلاقات الاجتماعية» مثل موقع My Space وFacebook وغيرها... وتظهر الدراسات أنّ استخدام تكنولوجيا الإنترنت على أنواعها أصبح رائجاً كاستعمال التلفون أو التلفزيون، فالأولاد تآلفوا مع وجودها واستخدامها بحيث اجبروا أنفسهم على التعلّم عليها والاطلاع على طرق الغوص فيها للتماشي مع «متطلّبات» حياتهم الاجتماعية الخاصة المؤلّفة من حلقة أصدقائهم. وتلك الحلقة التي كانت، عادة، تضمّ أصدقاء وزملاء «محسوسين» أي موجودين بالقرب منهم يزورونهم أو يلعبون معهم، أصبحت اليوم تقتصر على أشخاص بعيدين في المسافة عنهم ولا «يحتكّون» بهم مباشرة بل يحادثونهم ويشاطرونهم الهوايات والميول عبر الشبكة. فأن تكون مثلاً تحبّ فناناً أو فرقة موسيقية ما، كفيل بأن يفتح لك باب التعرّف إلى كل المعجبين الآخرين... وهذا ينطبق على كلّ الهوايات التي قد يمتلكها شاب أو مراهق أو حتى طفل. ويؤكد علماء الاجتماع في دراسة فرنسية نشرت أخيراً، أنّ فوائد تلك العلاقات بالنسبة للأطفال هي أنها «تعوّدهم على إنشاء علاقة مميزة مع الغير دون أن تكون الجغرافيا عائقاً لذلك»، وتشير الدراسة إلى أنّ الحديث عن خطر نشوء «ازدواجية في الشخصية» لدى الأولاد الذين يُكثرون من التخاطب على الإنترنت وتكوين العلاقات، ليس دقيقاً، لأن من «الجيّد أحياناً أن يكون للطفل شخصية أخرى تشعره بالراحة وتدغدغ نرجيسيته في هذا العمر وتجعله منفتحاً على الآخرين». ويضيف أحد علماء النفس لصحيفة «لو موند» أنّهم يستخدمون التحادث على الانترنت كجزء من العلاج النفسي، ويوضحون أنه في بعض الأحيان يمثّل ذلك النمط من التخاطب مع الغير فرصة لتفريغ الأعباء والهموم الباطنية التي لا يجرؤ المرء ولا يستطيع أن يقولها صراحة بوجه أحدهم، أو علناً في حياته اليومية. الخشية الوحيدة التي يبديها العلماء هي أن يصبح العالم مؤلّفاً من جيل بدين، ذي لغة تكنولوجية «رقمية»، يتمتع بشخصية حساسة جداً نتيجة عدم اختلاطه بالعالم الحقيقي وخوضه تجارب محسوسة. وفيما لم يعد السؤال الأساسي في التعارف بين شخصين هو «من أي عائلة أنت؟ أو من أية جنسية؟» يعدُ العلماء بمستقبل أفضل من حيث العلاقات الاجتماعية والتطوّر الفكري.