strong>صباح أيوب
... لا تدعن «إعلانات الجمال» تفسد عقول فتياتكنّ، هذه هي الرسالة الثانية التي أرادت شركة «دوف» Dove المنتجة للمستحضرات الصحية ـــــ التجميلية، أن توصلها الى جمهورها من النساء. فبعد حملة «ثقي بنفسك» التي أطلقت عام 2004، وشعار «كلّ النساء جميلات» الذي رفعته واعتمدته الشركة في إعلاناتها بحيث استعاضت عن الممثلات المشهورات وعارضات الأزياء في أفلامها وملصقاتها الدعائية بنساء «عاديات» يحتفظن بشكلهنّ «الطبيعي» من دون أي تعديل أو تنحيف أو تلوين، لتسويق منتجاتها، ها هي اليوم تطلق عبر الإنترنت فيلمها الإعلاني الثاني بعنوان Matraquage الذي يصوّر في دقيقة واحدة ما يساوي سنة من الإعلانات المرئية النسائية من خلال «عيني» فتاة في السابعة من العمر. ما سمّته الشركة «وابلاً من الإعلانات» يسلّط الضوء على كمية الأفلام الدعائية التي تتمحور حول «صورة المرأة الجميلة» والتي تهدف الى التلاعب بعواطف النساء وإثارة نقاط ضعفهنّ وحثّهن على استخدام المستحضرات أو القيام بمختلف أنواع عمليات التجميل والتنحيف والشدّ للتشبّه بصورة «النموذج» المثالي الذي يقدمه الإعلان، وهي في الأغلب صورة إحدى الممثلات المشهورات أو عارضات الأزياء اللواتي يمتلكن مقاييس جسدية مثاليّة. فيلم Matraquage الذي لن يعرض على التلفزيون أو في الصالات بل فقط عبر الإنترنت (على Youtube) هو «الإعلان» الثاني ضمن حملة «الجمال الحقيقي» من «دوف»، بعد فيلم Evolution الذي نال جائزة «أفضل فيلم دعائي» في المهرجان الدولي للإعلانات في كان (لعام 2007). وبعدما انقضّت «دوف» في بداية حملتها على «صورة المرأة في الإعلان»، تنتقد اليوم «الكمّ الهائل» من الإعلانات التي تسوّق لتلك الصورة، من دون أية رقابة أو حدود، ما يشكّل «خطراً» على الفتيات الصغيرات في السنّ بحيث تتكوّن لديهنّ منذ الصغر صورة «بلاستيكية» مثالية عن المرأة التي سيتشبّهون بها في المستقبل.
وكما بات معروفاً فإنّ الحرب على المشاهد ــــــ المستهلك مستمرّة وبشراسة، وأساليب «الوقاية» منها باتت شبه معدومة في المجتمعات الاستهلاكية. فعلى الرغم من «نبل» الرسالة التي أرادت أن تتبنّاها «دوف»، فلا بدّ لنا من أن نتساءل عن مدى «صدق» الشركة في حملتها تلك: أليست تلك الحملة هي، بدورها، أداة جذب جديدة و«استراتيجيا» إعلانية أخرى تلجأ إليها الشركات الكبرى لتسويق منتجاتها؟ ألا يعتبر انتقاد كثرة الإعلانات المروّجة للمستحضرات هو بمثابة جلد للذات من شركة تتوسّل الأسلوب الدعائي لنفسها أيضاً؟ قد يكمن الجواب عند الشركة الأم التي تنتج «دوف» وهي «مجموعة أونيليفير» Unilever التي تنتج أيضاً مستحضرات «صانسيلك» Sunsilk و«تيموتاي» Timotei و«سليم فاست» Slimfast، والتي لم تتبع الأسلوب نفسه لإعلانات تلك المنتجات، لا بل إن أحد منتجاتها تلك «سليم فاست» يساهم في الترويج لفكرة «التنحيف من أجل جسم مثالي»، وهي الفكرة التي تحاربها «دوف» في الأصل. لذا حملة «دوف» تلك تبدو منقوصة على الرغم من «مثالية» أهدافها، وخاصة أنّ حجج الدفاع عن تلك الحملة غير مقنعة كفاية، إذ إنّ «دوف» لم تطوّر أي جديد في تركيبة منتجاتها، لذا هي لا تقدّم في حملتها سوى الترويج.
اذا هل تكون «استراتيجية» «دوف» الجديدة هي في استمالة الجمهور النسائي «العادي» الذي وجد أخيراً بين شركات مستحضرات التجميل «حليفاً» له، يثق به، فيبتاع منتوجاته؟ في جميع الأحوال، وعلى الرغم من صعوبة مقاومة الاغاراءات الدعائية، يبقى على المستهلك ان يبذل جهداً استثنائياً كي لا يقع في أفخاخ وحيل الشركات الاعلانية ومن وراءها من شركات تجارية كبرى.