ما لم تجمعه القوى العظمى جمعته الخضر! تشهد الأراضي المحتلّة الفلسطينية في هذه الأثناء مفارقة غريبة إذ إنّ الصراع الأطول في عصرنا الحالي بين اليهود والفلسطينيين، يسجّل اليوم خرقاً استثنائياً وهدنة تفرضها المصالح المشتركة بين الشعبين. وفقاً للشريعة اليهودية يجب على المزارعين اليهود أن «يريحوا أرض إسرائيل» ويتركوها بلا زرع مرة كل سبع سنوات، فلا يزرعوا المحاصيل ولا بساتين الفاكهة، بل يتركون الأرض بوراً.في السنوات الماضية كان المزارعون اليهود يتحايلون على القانون بأن «يبيعوا أرضهم الى الأغيار» بشكل رمزي لمدة عام. لكن هذا العام يريد يهود متشددون سد هذه الثغرة فتحولوا الى المزارعين الفلسطينيين لمدهم بالخضر والطعام الذي «تحلله الشريعة اليهودية».
وتتوجّه يومياً مجموعة من اليهود المتشددين الملتحين وهم يرتدون أوشحة الصلاة التقليدية الى مزارع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة ليختاروا أفضل محصول مكتنز من الطماطم (البندورة) وأكثره صلابة ليعودوا به الى عائلاتهم. ويضعون على كل صندوق ختماً أسود باللغة العبرية يعلن أن هذا «طعام حلال».
وقال الحاخام شنير ريفاتش رئيس المجموعة التي ترعاها الحكومة وتشرف على تطبيق القانون التوراتي إنّ «الرب يريد أن يذكّرنا ويقول لنا تذكّروا بأني مالك هذه الأرض. مرة كل سبع سنوات دعوا قانون الطبيعة يسري وضعوا ثقتكم فيّ».
وبدأ العام، الذي يحلّ كل سبع سنوات بلا زرع أو كلأ والذي يسمى «الشميتا»، الشهر الماضي مع بدء السنة اليهودية، وقالت وزارة الصناعة والتجارة الاسرائيلية إن واردات إسرائيل من المنتجات الفلسطينية زادت بشكل كبير منذ ذلك الحين. وكانت السلطات الدينية الاسرائيلية تسمح في سنوات «الشميتا» السابقة بالبيع الرمزي للأرض الى الأغيار، ولكن حاخامات متشددين يريدون حالياً تطبيق تفسير متشدد للقانون الزراعي التوراتي ومنع الالتفاف من حوله.
ومن أساليب الالتفاف على هذا القانون لجوء بعض المزارعين اليهود الى نظام المدرجات لزرع المحاصيل على مدرجات مرتفعة يقيمونها فوق الأرض، وبهذا يلتزمون حرفياً بعدم زراعة الأرض نفسها وتصلح هذه المدرجات لزراعة معظم أنواع الخضر التي تزرع في اسرائيل. ويلجأ البعض الى تغطية حقولهم بصوبات زراعية طوال العام، وبهذا لا تصبح أرضهم في الهواء الطلق ومن ثم لا يسري عليها القانون.
وفي مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة وقف التاجر الفلسطيني غالب أبو سنينة الى جوار أقفاص الخضر والفاكهة، بينما كان أعضاء يهود من لجنة الشميتا المسؤولة عن تطبيق القانون التوراتي يختارون ما سيشترونه.
ويقول أبو سنينة «ارتفعت أسعار الخضر.. وخاصة الطماطم، لأن الإسرائيليين يشترون مئات الأطنان من المزارعين الفلسطينيين في هذه الفترة ما يدرّ الأرباح علينا». من ناحية أخرى اشتكى التجار الإسرائيليون من تلك الظاهرة التي تساهم في رفع أسعار جميع المنتجات الغذائية، وتقلل من نسبة الزبائن الذين يخافون من السلطات الدينية فلا يشترون سلعاً غير مدموغة بـ«حلال»، ما يؤدي الى خسارة الأسواق التجارية نشاطها في هذا الموسم.
(رويترز، الأخبار)