strong>ليال حداد
المنصورية كانت في عيد، حيث عاشت البلدة لمدة أسبوع تقريباً أجواء الفرح والمهرجان احتفالاً بعيد السيدة. انطلق الاحتفال الثلاثاء الماضي وانتهى أمس.
سيلين لم تجد وقتاً لتبادل الأحاديث مع الآخرين، إذ كانت مشغولة بالمهرجان، فالعمل كثير وكان على الشابة أن تلبّي كل الطلبات بسرعة وأن تنتبه للمناقيش كي لا تحترق على الصاج. الصورة تكررت في كل أرجاء منطقة المنصورية.
ككل عام يحتفي أبناء البلدة بهذا العيد، لكن الاحتفال هذا العام كان له «طابع» مختلف حيث أعاد الى البلدة أيامها القديمة، حين كانت تحتفل بالعيد على الطريقة التقليدية. حلويات عربية، مناقيش على الصاج، عرانيس وذرة، وفول مع كمون وحامض، هذه هي الأطباق الأساسية في المهرجان وقد تهافت عليها الجميع بشكل كبير. واحتلّت أيضاً آلة صنع غزل البنات مكانة كبيرة وجذبت الأولاد، حتى راح كل من يعمل عليها يردد: «لم أكن أتوقع أن يكون العمل متعباً، منذ أربعة أيام وأنا لم أرتح، أبيع الكثير من غزل البنات».
شباب لم يتخطَّ عمر أكبرهم الثانية والعشرين أرادوا أن يعيدوا الى المنصورية أيامها القديمة وأن يبتعدوا قدر الإمكان عنالمهرجانات الحديثة. أقيمت الاحتفالات في قلب ما يعرف بـ«المنصورية القديمة» التي ما زالت تحتفظ بطابعها القروي.
الاحتفالات بالمهرجان كانت تنطلق كل يوم عند الساعة السابعة مساء، وحينئذ تبدأ «زحمة» الناس. الكل كان يبدو سعيداً، فعائدات المهرجان تُصرف على تنمية العمل الاجتماعي ومساعدة العائلات المحتاجة في البلدة وجوارها.
المتجول في البلدة كان يمكن أن يتنبّه إلى أن الاستمتاع بالمهرجان يختلف حسب الأعمار والأذواق.
جورج وزيادة الحاج مسنّان كانا يحضران يومياً المهرجان. يمشيان معاً دائماً، يتّكئ أحدهما على عصاه ويمسك بيد صديق العمر. يتحدث «العم جورج» عن احتفال عيد السيدة أيام شبابه: «كانت أيام فقر، قليلة هي عائلات المنصورية التي كانت تملك المال، فكانت احتفالاتنا تقتصر على إشعال «قبولة» والتحلّق من حولها، أو المبارزة في حجم أكبر قبولة». يقاطعه العم زيادة بتعليق مليء بالحنين الى أيام الصبا: «كنا أنا وأنت دايماً نربح ونتقدم على ولاد الحي الفوقاني، يا الله شو كانوا ينقهروا مننا».
وللنساء المسنّات في المنصورية قصصهن الخاصة عن احتفالات العيد في الماضي. منزل منى الحاج يحتلّ موقعاً «استراتيجياً لأنه يشرف على كل زوايا المهرجان». تجلس السيدة المسنّة على شرفتها يحيط بها أبناؤها وبناتها ويتابعون المارّة والمحتفلين، وتروح هي تخبر ذكرياتها فتقول: «هالإيام بيعملوا هريسة هنا في الساحة ويأتي أبناء البلدة لتناولها، أما في أيامنا فكانت كل عائلة تطبخ هذا الطعام الاحتفالي في المنزل وبكميات صغيرة توفيراً للمال». تتوقف الحاج عن الكلام، وتحتاج إلى مساعدة بناتها لتتذكر التفاصيل الجميلة «عن تلك الأيام»، فالبنات حفظن كل «القصص عن ظهر قلب».
تعلو الابتسامة وجه الحاج وتروي: «كنا نتمشى في الساحة ونضع كل ما أمكن من مساحيق التجميل على وجوهنا كي نجذب انتباه الشباب». عند هذا الحدّ تصمت السيدة المسنّة عن الكلام المباح لتتابع أجنحة في المهرجان خُصّصت ككرمس للأطفال.
وفي اليوم الأخير ودّعت المنصورية العيد بطبخ الخراف والقمح أو ما يعرف بالهريسة، وتجمّع كل أهل البلدة لتناول الوجبات القروية.