شربل كريّم
لم تكد الساعات العملاقة المنتشرة في شوارع بكين تبدأ بالعدّ العكسي لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها العاصمة الصينية الصيف المقبل، حتى انطلقت معها حملات عالمية واسعة النطاق على امتداد القارات المختلفة تشير بأصابع الاتهام إلى النظام الصيني الساعي بحسب رأيها إلى «استغلال الحدث العالمي من أجل تبييض صورته القاتمة في مجال حقوق الإنسان».
لا يختلف اثنان على أن الصين لا تملك تاريخاً مجيداً في مجال الحريات المطلقة، إذ لطالما تناقلت وسائل الإعلام أخبار اعتقالات الصحافيين والكتّاب والسياسيين المعارضين للنظام.
لكن مما لا شك فيه أيضاً، أن مطلقي هذه الحملات اتخذوا من الألعاب الأولمبية خشبةً لتظهير آرائهم السياسية تجاه النظام الصيني الشيوعي، والدليل الأبرز على هذه المقولة الإيعاز إلى تايوان «الليبرالية» بعرقلة مرور الشعلة الأولمبية في أراضيها، بعدما أصرّ المسؤولون هناك على اعتماد الشعارات المحلية خلال الاحتفال التقليدي، مقابل إصرار الصينيين على اعتماد رموز اللجنة الأولمبية الدولية دون سواها...
الحملة التشهيرية والتشكيك بقدرة الصين على إنجاح أكبر تظاهرة رياضية انطلقت من الإعلام الأميركي، وتحديداً في الصحف التي كانت لها تجارب مع النظام الصيني، ومنها «نيويورك تايمز» التي استعرضت معاني الأولمبياد، ليتضح في قراءة بين السطور أنها تساءلت عما إذا كان البلد الأكثر كثافة سكانية في العالم يستعمل الألعاب الأولمبية من أجل تبييض صورته أمام المجتمع العالمي، تماماً كالأنظمة الدكتاتورية السابقة، ومنها نظام أدولف هتلر الذي كان المخطط الأول للألعاب التي استضافتها ألمانيا عام 1936 وسط انزعاجه التام من إنجازات الأبطال «السمر»، وعلى رأسهم الأميركي جيسي أوينز.
ويبدو طبيعياً أن تكون الصحيفة المذكورة على رأس المنتقدين للصين الشعبية، إذ حُكم على أحد مراسليها، تشاو يان، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة نشر أسرار الدولة، إضافة إلى الاحتيال، وقد أُفرج عنه الأسبوع الماضي. كما أن من المنطقي أن تقود أميركا بنفسها حملة الضغوط على الصين وسط شعورها بأن بلد «المليار» قد يتجه إلى التربع على عرش الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب، وسط النمو المرتفع الذي يعيشه يومياً، ووفرة الصادرات وتدفق الاستثمارات الأجنبية.
ومع إصرار الصين على عدم خلط السياسة بالرياضة، يفترض أن تنعكس هذه الضغوط إيجاباً على الداخل الصيني الذي يعشق فعلاً الألعاب الأولمبية ويتابعها بشغف، فكيف الحال إذا كان هو المضيف؟ وقد بدا ذلك واضحاً في تقرير لشبكة «سي أن أن» ضمن برنامج «إينسايد آسيا» حيث بدت الدهشة على مقدّمته الأميركية ـــــ الصينية عندما تمكّن الأطفال في الشارع من معرفة أسماء الأبطال الأولمبيين المحليين والأجانب من الصور التي استعرضت أمامهم!
مما لا شكّ فيه أنّ زائري الصين في الصيف المقبل لن يشعروا بالحياة اليومية بصورتها الحقيقية، لأن الصينيين سيراعون الجميع، حتى أولئك الصحافيين المنتقدين لهم. يبقى الأهم أن الصين والعالم سيعيشان الهدنة الأولمبية الشهيرة العائد تقليدها إلى العصور القديمة عندما أطلق الإغريق هذه الألعاب الرياضية بعيداً عن السياسة وألاعيبها.