خالد صاغية
بين عام وآخر، يطلّ علينا أحد المسرحيّين اللبنانيين بعمل يستعيد أحد «عظماء التاريخ». من المتنبّي مروراً بسقراط وصولاً إلى «زنوبيا ملكة تدمر»، بالإضافة إلى هنيبعل ويوسف بك كرم وجبران ونبيّه وطانيوس شاهين...
لا بأس بالهوس بالعظماء والعمالقة. لكن، في بلاد كلبنان، يرتدي هذا الهوس طابعاً مختلفاً. فكيفما تلفّتّ، تقع عينك على عظيمٍ ما يلقي خطاباً، أو يخوض معركة انتخابية، أو يظهر في برنامج تلفزيوني. والعظيم الأقلّ شأناً بينهم تسير وراءه ألوف مؤلّفة من الشعب اللبناني، العظيم هو الآخر.
يتبارى هؤلاء العظماء، بكلّ تواضع، في الإشادة بمزاياهم الشخصية. فلان عظيم بالقتل النبيل، وآخر سبق له أن قاد مجزرة جماعية، وثالث بارع بالنفاق، ورابع بفنون الوراثة السياسية، وخامس بالنهب المنظّم، وسادس بالغباء المستفحل، وسابع بالتمثيل الدرامي...
لذلك، تبدو مستغرَبة هذه العودة إلى التاريخ، فيما الحاضر حافل بهذه الوجوه العظيمة. ما الذي يجعل فناناً مثل منصور الرحباني يستذكر «زنوبيا ملكة تدمر»، في الوقت الذي تملأ فيه «نائلة ملكة زغرتا الزاوية» الشاشات، وبصحبة وليّ عهدها. وممَّ تشكو «ستريدا ملكة بشرّي» أو «نازك ملكة قريطم»؟... ولمَ لم يحرّك الظهور الإعلامي الخفيف لـ«جيلبير ملكة بلاد جبيل» مخيّلة فنّانينا؟
المسرحيّون اللبنانيّون غارقون في البحث عن عظماء التاريخ، فيما التاريخ نفسه مفتون بعظمائنا. وقد ظهر التاريخ أمس في السرايا الحكومية ليؤكّد: هنا عرش سنيوريا، ملكة زُعبُر.