صباح أيوب
«نرجو منكم عدم الانفصال عن مجموعتكم وذلك لخطر تعريض أنفسكم للدخول في متاهات مظلمة أو... لرصاص الحرّاس»، هذه ليست مزحة بل نصيحة جدّية يبدأ بها «المرشد السياحي» حديثه الى زائري «متحف الحرب الباردة» المقام في موسكو.
هذا المتحف، الذي كان اسمه الحقيقي «مركز تاغانسكي للقيادة من تحت الأرض»، هو عبارة عن ساحة تبلغ مساحتها 75000 قدم مربع وتقع على عمق 200 قدم تحت الأرض، أُنشئ في عهد ستالين (عام 1952 تحديداً) بهدف التصدّي لأي هجوم نووي أميركي محتمل.
وقد استُخدم «المتحف» من قبل الجنود السوفيات في السبعينيات حيث كان يتسع لنحو 2500 جندي، وقد جُهّز لكي يحتوي مخزوناً غذائياً يكفي لثلاثة أشهر، وزُوّد بنظام تهوئة خاص لتنقية الهواء من الداخل.
وتقوم اليوم شركة خاصة باستثماره وإدارته، إذ تحوّل الى متحف سياحي يستقطب آلاف الزوّار كل سنة. وقد حافظت الشركة على نسبة كبيرة من البناء كما كان في الأصل، ولا تزال تقوم بصيانة التجهيزات العسكرية والحياتية التي كانت لا تزال موجودة فيه، ومنها وسائل الاتصال البدائية التي كانت تستخدم في ذلك الوقت ومجموعات من الملصقات الخاصة بالحقبة السوفياتية كملصقات الإعلانات السياسية وغيرها... وقد سعت إدارة الشركة المستثمرة أن يعيش الزوّار فعلياً، ولو لوقت قصير، تفاصيل واقعية من أحد أيام الحرب الباردة كما كانت تدور في هذا النفق، ففرضت مثلاً على الزائرين أن يحملوا بطاقة دخول حمراء مرخّصة من «وزارة دفاع الاتحاد السوفياتي» تخوّلهم الدخول الى المتحف، ويتوجّب على كلّ زائر أن يرتدي البذلة العسكرية السوفياتية أثناء الجولة، ويقوم أحد المرشدين بتعريفهم بكيفية وضع القناع الواقي من الغاز واستخدامه. وتُقدّم للزوّار لاحقاً وجبة طعام هي نفسها تلك التي كانت تُقدّم للجنود أيام الحرب الباردة وهي عبارة عن خبز مصنوع من الحنطة السوداء ولحم معلّب وجرعة فودكا. وإضافة الى الجولات في السراديب المقفرة يمكن الزوّار قصد المسرح الخاص بالمتحف حيث تُعرض أفلام وثائقية عن الحرب الباردة، إضافة الى معرض لبيع التذكارات المختلفة والمتعلقة بتلك الحقبة من الزمن.
زيارة المتحف لا تتم وقت يشاء المرء، فعلى الراغبين في التجوّل في أرجائه أن يحجزوا بطاقات الدخول مسبقاً، ثم تحدد لهم مواعيد الزيارة، وقد حددت الشركة أسعار خاصة للطلاب وللمواطنين الروس وأخرى للسيّاح الأجانب مع إرشادات باللغة الإنكليزية.
ويؤكد المسؤولون في الشركة أنّ الهدف من تنظيم تلك الجولات «الحيّة» هو «إعادة إحياء الذاكرة السوداء لتلك الأيام والإضاءة على النواحي القاسية من فترات تلك الحرب بغية ألا تتكرر». ولكن أغلبية الزوّار الذين يقومون بتلك الجولات يخرجون بشعور غريب وهو أنّ «الحرب الباردة لم تنتهِ بعد وأنّ هناك في مكان ما في روسيا أو في أميركا مراكز مشابهة لمركز تاغانسكي تُجهّز اليوم للأهداف نفسها»!