نذير رضا
عاد الرسام الإيطالي باسكال كارينزا إلى بيروت ليؤرّخ الذكرى الأولى لحرب تموز على طريقته، أي بالألوان والخردة والإسمنت والجصّ، وخصّ بالتأريخ المقاومة التي يعتبرها «مشروعاً إنسانيّاً في مواجهة التضادّ الثقافي الذي يتمثّل بالقتل والعنف والهيمنة»، ويرى أن أهم حدث في حياته «مصافحته السيد حسن نصر الله قبل 4 أعوام». زار كارينزا الضاحية الجنوبية برفقة صديقه اللبنانيّ رئيف، وأخذ من ركام الأبنية بعض النماذج ليستعملها في مجسّماته الفنية، وجمع أحذية الأطفال من بين ركام الأبنية الجنوبية، فكانت «قانا» و«يارين» و«أطفال الخوف» اللوحات التي تروي حكايا الناس والمعاناة والحرب وشهادة الأطفال الأبرياء. ومن بين الوجوه المخضبة التي رسمها، وجوه لبنانية لم يرها من قبل، تصوّرها على طريقته كما نقلتها الصحف الإيطالية والإنكليزية، ووضع لمساته الأخيرة على المجموعة التي تؤرخ الحرب كلها، قبل شهر تقريباً. ضاق به السبيل وهو يشاهد مجسماته ولوحاته يوماً بعد يوم، ولم يجد منفذاً سوى إهداء بعض اللوحات إلى السيد حسن نصر الله. ويقول: «لكن الطريق إلى السيد صعبة بسبب ظروفه الأمنية، فحملتُ اللوحات بمساعدة رئيف، وتوجّهت إلى أنقاض مبنى المنار، حيث سلّمت الأعمال إلى شخص وعدني بإيصالها إلى السيد».
بمعزل عن أعمال «الحرب» التي بلغ عددها 42 لوحة ومجسّماً، يمعن كارينزا الذي يسكن في قلب بيروت (منطقة المزرعة) في رسم الوجوه، وخصّ كل لوحة بوجه كامل يحمل عبارة مختلفة. بصورة عامّة، يستطيع الزائر أن يرى التمرّد في معظم الوجوه.
يعيش باسكال كارينزا في لبنان منذ أكثر من 5 سنوات. جاء لبنان زائراً عام 1996 أول مرة، حيث كُرّم بعد إقامة معرض في لندن عن الحرب الإسرائيلية على لبنان. يعجّ مسكنه بالأعمال الفنية، ويمضي نهاره بالرسم وإنجاز ما تتطلّبه اللوحات من جهد، ويمضي ليله زائراً للأماكن السياحية في مدينة بيروت. يقول: «اخترتُ بيروت لأنها ببساطة أعجبتني، ووجدت فيها الجوّ الملائم لانتشار الفنون.. ووجدت من يفهم فنّي التصويري التشكيلي، ومن يتفاعل مع هذا النوع، علماً أن أصدقائي الفنانين قليلون». في معرض الحديث عن الوجوه التي تحتلّ جدران المنزل وغرفه، يبتسم بهدوء ويقول: «ربما الوحدة وكلاسيكية العيش في أوروبا، وعلى وجه التحديد في إيطاليا حيث ولدت وبريطانيا حيث أقمت فترة غير قصيرة، أثّرا فيّ فناناً. فجسّدت الوحدة في بعض الوجوه، وانتفضتُ لنفسي على شكل تمرّد على نمط الحياة السائد في أوروبا، في وجوه أخرى. وحين أتيتُ إلى سوريا ومصر وبعدها لبنان، وجدت فرقاً شاسعاً بين أنماط العيش». يتفقد شوارع بيروت وناسها باستمرار. تراه ينقل الفكرة على الفور إلى مشغله (داخل المنزل). يضيف الإسمنت والألوان و«الخردة» إلى بعض بقايا الذكرى في الشوارع، ويزيّنها بوجوه وتعابير إنسانية. «لا أتوقف عن العمل والإضافات والتعديلات، حتى أشعر أن اللوحة تحدّثني، وتجيب عن أسئلتي وعن أسئلة الناظرين إليها... أعمالي تشبهني إلى حال الاندماج... وفي مطلق الأحوال، لا شيء «تنطق» به يداي لا يشبهني»!