ثائر غندور
عيتا الشعب. القرية التي سطّرت أشرس المواجهات ضد الجيش الإسرائيلي. قيلت فيها شعراً آلاف الكلمات وكُتب عنها الكثير، لقد أصبحت باختصار رمز المقاومة.
في عيتا الشعب، نساءٌ قصصهن مختلفة. عدنَ إلى منازلهن ليجدنها ركاماً. تحاول سحر بجك إعادة رسم تفاصيل عودتهن في ثماني دقائق فقط بفيلمها «سحر». تسلط الضوء على جوانب إنسانية من حياة هؤلاء النسوة اللواتي ظن البعض أنهنّ من جنس غير البشر.
لا تتدخل في تفاصيل السيناريو، تتركهن يروين كيف عدن إلى قرية، ولم يجدن منازلهن ولا شتول التبغ. تتحدث إحداهن عن معاناة العودة، تقول كلامها وهي تخبز «المرقوق» على صاجٍ وسط الدمار.
نرى امرأة ثانية تحاول إنقاذ ما تيسر من أوراق التبغ. وتروي أم شهيد من المقاومة قصة دفن الشهداء.
يعود الدمار ليسطر مجدداً على الشاشة. بيوت عيتا الشعب قبل إزالة ردمها؛ هي محاولة لأرشفة تلك اللحظة.
فيلم سحر بجك، هو نموذج لأفلام أُنجزت وأخرى ستنتج قريباً، يصنعها مواطنون بكاميرات ليست احترافية ضمن مشروع «عيون على لبنان» أو lens on Lebanon. انطلقت الفكرة من تجربة مماثلة هدفت إلى أرشفة التاريخ الشفهي للنكبة الفلسطينية قام بها الناشط محمود زيات والمتخصصة في علم الانثروبولوجيا ديانا آلن. يصف زيات هذا النوع من التوثيق بـ«التأريخ الديموقراطي». إذاً هكذا وباختصار ولدت فكرة أرشفة العدوان على لبنان وتجارب العائدين إلى قراهم المدمرة.
مساء اليوم تعرض جمعية «عين على لبنان» في مقهى «ة مربوطة» مجموعة أفلام تتعلق بحرب تموز بتمويـــــل من مؤسســـــة «أوكسفام».
بدأت آلن وزيات خلال حرب تموز التفكير في كيفية توثيق ما يجري وخصوصاً أنهما يريان أن الإعلام لم يقم بدوره كاملاً. تحوّل الشهداء إلى مجرد أرقام. لا أسماء لهم ولا قصص تروي حيواتهم. «في المقابل إذا ما قتل اسرائيلي يعرف كل الناس عن حيوانه المفضّل وهوايته ودراسته...» تقول منسقة المشروع سمر معكرون.
أُقيمت وُرش عمل شارك فيها أشخاص تأثروا بالحرب، وكانت تهدف إلى تمكينهم من إخبار قصصهم بطريقتهم الخاصة، وعرضها بشكل فني وعصري؛ فاستخدم البعض الفيديو وآخرون الكاميرات الرقمية والفورية. بقيت الكاميرات مع المتدربين الذين لم يتجاوز عددهم عشرة طوال ثلاثة أسابيع.
حمل المشاركون في الورش كاميرات وانتقلوا بها من الضاحية الجنوبية إلى النبطية وعيتا الشعب وزبقين وصيدا ومخيم عين الحلوة وصور... ولاحقاً إلى الهرمل وكانوا «في كل مكان يجدون فيه خمسة أشخاص مهتمين ويوجد مكان للتدريب» يقول محمود زيدان.
تحاول الأفلام والصور الحديث عن عناوين متعددة تتعلق بحياة سكان لبنان بعد الحرب، يعرضها كل شخص على طريقته. وتعكس هذه العناوين هموم المتدربين: في مخيم عين الحلوة صُنعت أفلام ركزت على فكرة الأحلام؛ برزت هذه الفكرة بعد نقاش بين صبيتين عن جدوى الحلم بالعودة إلى فلسطين، فكانت إحداهما تدافع عن ضرورة الاستمرار بالحلم فيما تدعو الثانية إلى «الواقعية».
جنى إحدى صانعات هذه الأفلام، تحدثت عن أحلامها الخاصة. وعرضت صوراً من المخيم، وتقول إنها تحلم «بشاطئ غزة وتراب المرج.. بحلم بساحة بيني وبين جاري.. بهوية بدون لاجئ.. بحلم بوطن صغير بقلبي كبير».
بدورها تروي مريم قصة فتاة حلمت يوماً بأنها قتلت رجلاً، وعندما طلب منها القاضي تعيين محامٍ للدفاع عنها رفضت لأنها درست القانون على يد هذا القاضي.. استفاقت هذه الفتاة مرعوبة لأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها.
تنتبه فجأه وهي المتخرجة من كلية الحقوق إلى أنها لا تستطيع الدفاع عن أي مظلوم لأنها لاجئة وبالتالي عليها أن تنتظر تحرير وطنها.
في فيلم آخر عنوانه «الشهيــد» سأل مــتــدربــون من مؤسسات الصدر أم الشهيد حسين رزق كيف تصرفت عندما تلقّت خبر استشهاده. وشرحت كيف شعرت بالصدمة، ثم تجـاوزت صدمـــتــهـا لأن ابنهــا «شاب شجـاع وقـــــوي». ثـــم يسـألــون عــــدداً من الأمهات إذا كـنّ يريدْن أن يصبح أبناؤهن شهداء، تجيب واحدة منهن: «عندي ولد واحد. ما بدي ياه يموت. انو في يخدم بلدو بمئة طريقة أخرى».
وصنع متدربون من مؤسسات الصدر فيلماً بعنوان «لبنان بعد الحرب»، عرضوا فيه آراء المواطنين في وضع لبنان بعد الحرب، فرد بعضهم أنهم وجدوه بلد الصراعات السياسية والدمار، وقال آخرون إنه جنة وبلد العزة والكرامة. أحد الرجال استنتج أن أهم ما أنتجته الحرب هو أن المسلمين لم يعودوا طائفيين!