عُبادة كسر
«يا باري، يا وهّاب هبني قليلاً من علمك»، «رؤية الطالع»، «فك المربوط وجلب الغائب». عبارات لامست يوميات أهالي إحدى قرى شرقي بعلبك، يرددها رجل في العقد الخامس من العمر. لا أحد يعرف عنه شيئاً سوى أنه مؤمن وزاهد، و«سائح في حب الله». يرتدي عباءة رثة، ترابية اللون، ويضع على رأسه قبعة خضراء، وقد خسر الكثير من أسنانه وأضراسه. يحمل سُبحة طويلة وينادي بعباراته الشهيرة ويجوب شوارع القرية. فإذا التقى بامرأة حامل يتنبأ لها بجنس الجنين الجديد ويختار له اسماً.
أبو محمد مثقف وميسور ولا يصدق «تنبؤات» هذا الرجل ويراها خرافات و«قلة عقل» .
ذات يوم، قصد «البصّار» منزل أبي محمد، فوجد ابنه الأصغر ربيع يلعب كرة القدم، وراح يسأله عن أهله وإخوته وأعمامه وأقاربه. استرسل ربيع بالكلام، واستفاض في الشرح. غاب البصار أسبوعاً وعاد إلى المنزل ليروي لأبي محمد أن ابنه البكر «سعيد بعمله الجديد، وخاصة بعدما انتقل من كندا إلى أميركا» ثم تابع حديثه عن أخبار أولاد أبي محمد وأقاربه، وتنبأ للجميع بمستقبل زاهر.
أنهى البصار تنبؤاته فأعطاه أبو محمد مئتي ألف ليرة و«قمبازاً» تركياً. وقد مرت ساعات طويلة قبل أن يلتقي أبو محمد ابنه الصغير ربيع الذي روى له أنه التقى «البصار» قبل أسبوع وروى لوالده ما دار بينهما من حديث، عندها وجد أبو محمد نفسه ضحية رجل غشاش، وبدأ بالبحث عنه وأقسم أن ينتقم منه ويمنعه الدخول إلى القرية. ومنذ ذاك الوقت لا يجرؤ البصار على دخول تلك القرية.
أبو محمد يشعر بخيبة كبيرة وبغصة، وصار كل جيرانه يعرفون أنه يرغب بالانتقام من الدجّال الذي دخل بيته، لكن الرياح لا تجري بما تشتهيه سفنه، إذ اختفى «قارئ الطالع» من القرية ولا يعثر له على أثر.